•  منذ 4 سنة
  •  1
  •  0

الخصائص الأساسية المشتركة بين اللغات السامية

كاتبة: نوال الراضي

تعد اللغات السامية من أقدم اللغات الإنسانية التي وصلت إلينا مدونة وتتميز بأن لها أطول تاريخ، كما تضم أضخم عدد من المتحدثين على مستوى لغات الأسرة الأفروآسية، وهي أيضا واسعة الانتشار، حيث تضم جنوب غرب إفريقيا، كما تضم المملكة العربية السعودية، وفنزويلا، وكل شمال أفريقيا من المحيط الأطلنطي إلى البحر الأحمر.

فما هي اللغات السامية وما موطنها الأصل وما هي مميزاتها وخصائصها الأساسية المشتركة بينها؟

جوابا على هذه الأسئلة وغيرها قسمت موضوع البحث إلى مبحثين اثنين، احتوى كل واحد منهما مطلبين فصلت فيهما عبر محاور أهم ما يرتبط بالخصائص المشتركة في اللغات السامية.

المبحث الأول: اللغات السامية تعريفها، موطن أممها، مميزاتها

المطلب الأول: تعريف اللغات السامية وتحديد موطن أممها الأصلي

المحور الأول: تعريف اللغات السامية

تطلق اللغات السامية على جملة من اللغات التي كانت شائعة من أزمان بعيدة في بلاد آسيا وأفريقيا، سواء منها ما بقت آثاره، كالأكادية والآشورية والبابلية والسبئية وغيرها، أو ما لا يزال باقيا، الآن كالعربية والعبرية والسريانية

ويعد أول من استعمل مصطلح السامية هو العالم النمساوي شلوتسر في أبحاثه وتحقيقاته في تاريخ الأمم الغابرة سنة (1781م)، معتمدا على جدول تقسيم الشعوب الوارد في التوراة.[1]

والحقيقة أن لهذا الإسم منظور ديني بحسب ما جاء في الكاتب المقدس: (وهذه مواليد بني سام وحام ويافث وولد لهم بنون، بعد الطوفان وسام أبو كل بني عابر أخو يافث الكبير، ولد له أيضا بنون هم سام وعيلام وآشور وأرفكشاد وآرام).[2]

المحور الثاني: الموطن الأصلي للأمم السامية

لقد وجدت هذه الشعوب متميزة بتلك المميزات السابق ذكرها ومتكلمة بلغات تكاد تكون متحدة، ولذا أجمع العلماء على أنهم انحدروا من طائفة واحدة أو جنس واحد من الناس كان يسكن مكانا واحدا، ويتكلم بلغة واحدة، ومما يدعو للأسف أن موطن الساميين الأصلي الذي كانوا يقيمون فيه قبل تفرقتهم وانقسامهم شعوبا وقبائل وانتشارهم في تلك البقعة من الأرض التي سبق تحديدها، كان ولا يزال من الأمور المشكلة التي اختلف فيها المؤرخون اختلافا كبيرا وذهبوا فيها مذاهب شتى منها أنهم نشئوا في أول الأمر في إفريقيا وأقاموا بها زمنا طويلا، ولما ضاقت بهم هاجروا إلى الأماكن التي استقروا فيها فيما بعد، ومنها أن الموطن السامي الأصلي للساميين هو بعض جهات أرمينية؛ حيث أن الساميين هاجروا أولا من جهات في مقاطعات أرمينية الواقعة حول إقليم أرمينيا الجبلي في شمال التركستان الحالية الواقعة شمال العراق، ومنها أن الساميين قبل تفرقهم وتفرع لغاتهم الأصلية إلى لهجات مختلفة كانوا يستعملون اسما مشتركا فيما بينهم للجمل، لم يكن لديهم اسم مشترك للنخل ولا للتمر ولا كلمة واحدة تدل على النعامة؛ أي أن الكلمات التي تدل على نخل وتمر ونعامة لا توجد بصورة واحدة ولا بصورة متقاربة في جميع اللهجات السامية، أما الكلمات التي تدل على جمل فهي كلمة واحدة تقريبا في جميع تلك اللهجات؛ فوجب أن يكون موطن الساميين الأصلي بيئة قد استوطنها الجمل منذ أقدم العصور وفي الوقت نفسه لا تعيش فيها النعامة، ولا يوجد فيها نخل، وهذه الصفات تنطبق على منطقة الهول الآسيوية القريبة من منابع سيحون وجيحون في بلاد التركستان.

ومنها أن جزيرة العرب هي الموطن السامي الأصلي؛ والاستناد في هذا قائم على كون جميع التقاليد السامية تدل على أن جزيرة العرب هي موطن الساميين الأول، فإنها البلاد الوحيدة التي بقيت سامية أي لم يؤثر فيها نفوذ أجنبي يخرجها عن طبيعتها، وأن مميزات الجنس السامي التي منها القوة في العقيدة الدينية والشجاعة الخلقية وقوة الخيال لا بد أن يكون مصدرها الصحراء.[3]

المطلب الثاني: مميزات اللغات السامية

وما يميز فصيلة اللغات السامية، عن غيرها من الفصائل الأخرى، يتمثل قبل كل شيء في الأصوات، وهو رجحان الأصوات الصامتة على الأصوات المتحركة، ويرتبط المعنى الرئيسي في الكلمة، في ذهن الساميين بالأصوات الصامتة فيها، أما الأصوات المتحركة

فهي لا تعتبر في الكلمة إلا عن تحوير هذا المعنى وتعديله ولهذا السبب نفسه يقع الثقل الرئيسي في النطق على الأصوات الصامتة مطلقا، أما الأصوات المتحركة فإنها تتأثر في صفاتها بتلك الأصوات الصامتة، وفي ترتيب الأصوات الصامتة، تغلب الأصوات الحلقية، والطبقية وأصوات الصفير والأصوات الأسنانية في تدرجاتها المختلفة ويتعلق معنى الكلمة بالأصوات الصامتة، وفي عدد كبير جدا من الكلمات يحمل المعنى ثلاثة أصوات صامتة فيها، ويدخل عليها إضافات في الأول أو في الآخر، لتحوير هذا المعنى وتعديله.

ولا تعرف اللغة السامية تركيب الكلمات غير أنها في فروعها الحديثة السن توثق أحيانا بين أجزاء التركيب الإضافي، بحيث يمكن معالجتها باعتباره كلمة واحدة.

أما فيما يختص بالفعل، فإن اللغات السامية، لا تعبر في الأصل عن الأزمنة الذاتية أو بمعنى آخر الأزمنة من وجهة نظر الإنسان (الماضي والحاضر والمستقبل)، ولكنها تعبر عن الحدث من وجهة النظر الموضوعية من ناحية انتهائه أو عدم انتهائه.

ثم استحدثت اللغات السامية بعد ذلك شيئا فشيئا كل أنواع العلاقات بين الأزمنة حتى بين تلك الأزمنة الذاتية، ولذلك كثرت فيها جدا وسائل التعبير عما يسمى بأنواع الحدث والمبني للمعلوم والمبني للمجهول، والمحايد، والتضعيف والسببية والانعكاسية والتكرار.

وترتبط الجمل بعضها ببعض في الأصل، ببساطة عن طريق العطف، وبالتدريج وجدت الوسيلة للتعبير عن الجمل الفرعية، وقد كان ترتيب أجزاء الجملة صارما ومحددا في البداية ولم ينل بعض الحرية إلا في وقت متأخر.[4]

المبحث الثاني: الخصائص الأساسية المشتركة في اللغات السامية

المطلب الأول: الخصائص اللغوية المشتركة في اللغات السامية

جمع بعض اللغويين الكلمات المشتركة في اللغات السامية، وجعلوها بعنوان (قاموس اللغات السامية) وقد سماها محمود حجازي (الألفاظ الأساسية)، والمقصود بالمشترك السامي أن هذه الألفاظ توجد في جميع اللغات السامية الرئيسية، وأنها ترجع إلى أصل اشتقاقي واحد، كما تتفق إلى حد ما في المعنى، ووجود الكلمة في اللغات السامية الرئيسة لا يعني أن ما عداها يخرج عن دائرة هذا المشترك، فقد تكون موجودة في لغتين أو ثلاثة وانقرضت من اللغات الأخرى، أو حلت محلها كلمات أخرى مرادفة لها، وهذا يبين أن دائرة المشترك السامي يمكن أن تتسع لتشمل الكلمات الموجودة في أكثر من لغتين ساميتين، وهذه اللغات تمثل بدورها أرجاء مختلفة من المنطقة السامية التي تتوزع ما بين جنوبية وشمالية وشرقية.

إلا أن مثل هذه الكلمات تدخل في دائرة المشترك السامي عند الافتقار إلى دليل أو سياق يوضع أنها أصيلة في لغة، ومقترضة في اللغات السامية الأخرى، أما وحدة الأصل الاشتقاقي فلا بد أن يصاحبه وجود حقل مشترك بالنسبة للمعنى وهو معيار يعد في غاية الأهمية لأن الكلمة في حد ذاتها ما هي إلا قالب (الوحدة اللغوية) متشابك الشكل والمعنى؛ أي أن الكلمة إذا تعددت شكليا (فنولوجيا) ولم يوجد حقل مشترك بالنسبة للمعنى فهي في هذه الحالة تعد قوالب (وحدات) مستقلة، وفي مثل هذا الأمر يصعب تصور قالب مشترك تفرعت عنه هذه القوالب، وإذا تصورنا افتراضيا هذا القالب المشترك فإنه سيكون مقتصرا على الشكل (الجانب الفنولوجي) دون المعنى لأنه في هذه الحالة يصعب تحديد المعنى الذي ارتبط به هذا القالب التاريخي والذي يعد حقلا مشتركا لكل هذه المعاني المستحدثة.

فكلمة (لحم) مثلا تدل في العربية على معنى يخالف كلمة لحم في العبرية والسريانية؛ حيث تدل في اللغتين الأخيرتين على معنى (خبز وطعام) واختلاف المعنى هنا ليس اختلافا جذريا لوجود حقل مشترك وهو الدلالة على الطعام، وهذا المعنى بقي في العبرية والسريانية وخصص في العربية فأصبح يدل على نوع من أنواع الطعام.

فالاشتراك هنا بالنسبة لكلمة لحم في الهيكل الفنولوجي، ووجود حقل مشترك بالنسبة للمعنى يجعلها تدخل في دائرة المشترك السامي أما الكلمات التي تشترك في الهيكل الفنولوجي ولا يوجد حقل مشترك بالنسبة للمعنى؛ فإن وضعها في دائرة المشترك السامي يكون من قبيل الافتراض ويمكن أن نوضح هذا الكلام بمثال من الكلمات السامية نحو كلمة حجاب ومعناها في العربية الستر ولحمة رقيقة.

وكلمة سحر وسحر حيث جاء في لسان العرب السحر والسحر؛ والسحر ما التصق بالحلقوم والمرء من أعلى البطن.[5]

والقصب وما ورد في اللسان في باب قصب القصب المعي، والجمع أقصاب.[6]

وأيضا مثال: كل ما حال بين شيئين (حجاب والحجاب والأفق)، والحجاب ما أشرف من الجبل، والجبال منقطع الحرة.[7]

والكلمة في العبرية هي hagab ومعناه هيكل وإذا نظرنا إلى معنى الكلمة في اللغات السامية فسنجد أنه لا يوجد حقل مشترك بالنسبة لمعاني الكلمة، وإذا تصورنا افتراضيا أن الكلمة تدخل في دائرة المشتركة السامي على أنها من قبل الكلمات التي تسمى عند المحدثين بكلمات المشترك اللفظي وتوزعت معانيها بين هذه اللغات فإن هذا الرأي الأخير يعد هو كذلك رأيا افتراضيا يتضح من خلالها أن هذه الكلمة تحمل كل هذه المعاني، بل إن الحقل الدلالي المشترك لو اقتصر على لغتين دون اللغات الأخرى، فإن هذا يجعل وضع الكلمة، كذلك في دائرة المشترك السامي من قبيل الاقتراض، وذلك لعدم وجود نصوص من السامية الأولى، نستطيع من خلالها أن نقف، على معاني الكلمات، حتى يمكن أن نضع الكلمة موضعها الصحيح بالنسبة لدائرة المشترك السامي.

والحديث السابق يوضح المعايير التي في ضوئها يتحدد وضع الكلمة السامية بالنسبة لدائرة المشترك السامي، وهي معايير فيما يبدو يمكن أن تتلخص في الآتي:

- وجود الكلمة في كل اللغات السامية الرئيسية: أو وجودها في معظم هذه اللغات، وفي الحالة الأخيرة، يحبذ أن تتوزع هذه اللغات ما بين جنوبية وشمالية أو جنوبية وشرقية ووحدة الأصل الاشتقاقي والحقل الدلالي المشترك.[8]

وعلى العموم تشترك اللغات السامية في مجموعة من الخصائص اللغوية، وتشمل هذه الخصائص المستويات اللغوية منها الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي...

1- الخصائص الصوتية

المحور الأول: علم الصوت

من المقبول قبولا عاملا في الدراسة اللغوية هو أن الدراسة الصوتية للغات السامية يجب أن ترتكز على تمييز واضح بين علم الصوت وعلم الصوت المميز في حده الأدنى أي على حسب علائقه الوظيفية في نظام لغوي؛ وهو سمات الكلام المؤدى المتعلقة بنطق الصوت وسماعه وإخراجه والفونيمات أي وحدات الصوت المميزة في حدها الأدنى المتعلقة بالمعنى(علم الوحدات الصوتية)

ذلك أن إعادة بناء اللغات القديمة لا بد أن تكون فونيمية أي تحليل المعلومات التي تم الحصول عليها بدراسة الأضداد المتميزة، ويعاد بناء تلفظ اللغات السامية القديمة-أو بدقة أكثر تركيب التعبيرات الصوتية لها على وفق دلالات أنواع متباينة منها:

أ‌- التلفظ التقليدي في اللغات التي رويت (حية أو غير حية) إلى وقتنا الحاضر (العبرية والأرامية والعربية والأثيووبية)

ب‌- ما جاء به نحاة اللغات التي فيها تقليد نحوي (العبرية والسريانية والعربية)

ت‌- استنساخ كلمات وفقر سامية في لغات أخرى (الإغريقية والمصرية والأرامية للأكادية والإريقية واللاتينية للعبرية والبونية الفينيقية) وغيرها وبالعكس.

ث‌- خصوصيات تهج سليم دالة على سمات صوتية لم يجر التعبير عنها بغير ذلك التهجي؛ لغويات سامية مقارنة (إعادة بناء تهجي الأكادية أو الأغاريتية أو العربية الجنوبية القديمة بناء على ما يقايلها في العربية والعبرية وغيرهما.

المحور الثاني: النظام الصوتي

يتألف النظام الصوتي السامي من أصوات ساكنة، وأصوات شبيهة بالمد وأصوات مد ومن عدة أنماط للنبر أيضا، ويمكن تنيفها إما على الأسس الموسيقية لعلم الصوت السمعي أو على العناصر الفسيولوجية لعلم الصوت على أساس أحيازها ومخارجها، ويرتبط التصنيف في الحالة الأخيرة بمكان التلفظ وطريقته أي بمخرج الصوت وطريقة إخراجه وتصنف الأصوات بحسب مخارجها على:

- الشفويات وما بين الأسنان والأسنانيات واللثويات والحنكيات واللهويات وأصوات

أدنى الحلق (الحلقية) وأصوات أقصى الحلق (الحنجرية)

وتصنف بحسب صفاتها

- على الانفجارية والاحتكاكية والجانبية والمكررة والأنفية

وفي المجموعات المصنفة على هذا النحو يمكن القيام بتمييز آخر على وفق سمة ملفوظة أو مؤكدة لبعض السواكن، وفيما يتصل بالجهورية ظهرت كوك في طبيعتها في السامية الأولى، وقد أطلق عليها مصطلح ترابط شدة أو ضغط)

مهما يكن من شيء فمن الصعب بلوغ نتائج ملموسة تتجاوز الإشارات التي امتدت بها اللغات الموثقة تاريخيا، أما التفخيم فقد استخدم هذا المصطلح استخداما غير مناسب تماما ليشير إلى سمة اللغات السامية، أو السامية الحامية في التلفظ وذلك بتقريب مؤخر اللسان إلى اللهاة كتلفظ الظاء في العربية، وبطريق الحلق، كتلفظ الطاء مشربة بالتهميز ولا يعرف يقينا أي منهما أصلي، فلدى باحثين أن التلفظ الحلقي (صوت طاء مشربة بالتهميز) وهو لا يوجد في السامية خارج الأثيوبية، أو يحدث في بعض اللغات الكوشية يشير إلى أنه سمة ثانوية ولتأييد هذا الرأي يمكن أن يشير المرء إلى ظاهرة التلفظ الشفوي التي من المحتمل أنها هي أيضا ناتجة عن التأثير الكوشي، ولدى باحثين آخرين ثمة أسباب للقول، خلافا لذلك إن التلفظ الحلقي الأثيوبي أولي لأن التوكيد الأثيوبي مهموس وكذلك التوكيدات السامية، ما عدا العربية، ولأن التوكيدات الأثيوبية لم تبد مؤثرة في مادة أصوات المد المجاورة، وفيما عدا العربية يبدو أن هذا الأمر هو القاعدة المتبعة في اللغات السامية ، وظاهرة قلب القاف همزة في بعض اللهجات العربية لا يمكن تفسيرها إلا بطريقة التصويت من الحلق.[9]

وقد تعرضت الأصوات في اللغات السامية لعدد من التغيرات التاريخية الصوتية، أدت إلى اختفاء بعض الأصوات في عدد منها، وظهور أكثر من تلوين نطقي (ألفوني) في بعضها الآخر كظاهرة (بجدكفت) في العبرية والأرامية والسريانية وتحاول الدراسة أن تلقي الضوء على الحقل المشترك الذي خرجت منه مجموعة اللغات السامية، مفترضة وحدة الأصل بين الفصائل اللغوية المتعددة التي تنتمي إلى السامية الذي يدخل في إطار هذه التسمية مجموعة من اللغات، بعضها تحول إلى نقوش مرئية انتهى الجانب السمعي فيها، وبعضها الآخر تتفاوت درجات استعمالها، وانتشار المتكلمين بها، واللغات التي أطلق عليها هذا الاسم العربية والأرامية والحبشية والأكادية ولهجاتها والفينيقية والكنعانية والعربية الجنوبية ولهجاتها التي تشتمل على العبرية والمؤابية والعمونية، وبعض هذه اللغات المذكورة.[10]

ومن أهم الخصائص الصوتية المشتركة في هذا المجال ما يلي:

أ- وجود أصوات الحلق )ع ح غ خ ه ء) في مجموعة اللغات السامية ولكن بشكل متفاوت، فنجد أصوات الحلق كاملة في اللغات العربية، في حين نجد أن بعض اللغات السامية الأخرى فقدت بعض أصوات الحلق، فاللغة الأمهرية التي تعد إحدى اللهجات العربية الجنوبية، فقدت صوت العين واللغة العبرية فقدت صوتي العين والخاء واللغة الأكادية فقدت معظم أصوات الحلق ولم يبق لها إلا الهمزة والخاء.

أ‌- وجود أصوات الإطباق(ص ط ض ظ) في مجموعة اللغات السامية، فتوجد في اللغة العربية كاملة، في حين تفقد معظم اللغات السامية أصوات الإطباق، كما تطورت بعض أصوات الإطباق في بعض اللغات السامية، كتطور الصاد في العبرية بصورة تختلف اختلافا قليلا عن العربية ولاحتواء العربية على كل من أصوات الحلق وأصوات الإطباق بصورة كاملة، تعد العربية أصدق صورة للغة السامية الأم في مستواها الصوتي.[11]

- 2 الخصائص الصرفية

مفردات المشترك السامي

اعتنى السابقون باللغات السامية، ولاسيما بنيامين حداد في دراسات اللغات السامية، إذ يقول: تعد اليوم الآصرة اللغوية (الجذرية) بين اللغات السامية من النظريات التاريخية المسلم بها...

ومن الخصائص المشتركة بين تلك اللغات استنتج الباحثون أن تلك اللغة الأم الأولى كانت منتشرة في منطقة متسعة، الأطراف، ثم نجمت عنها اللهجات مختلفة).

ويسعى اللغويون إلى معرفة (مدى الاتفاق والتشابه في الصيغ الصرفية بين اللغات بهدف إثبات اتجاهات التغيير الصرفي)، في المشترك السامي الأساس، بوصف ما كان عليه في الدرس القديم، وما حازه في الدرس الحديث وهو ما دعا القس جبرائيل القردامي إلى القول: (إن السريانية من أغنى اللغات بعد العربية نظما ونثرا).

بوجه المقارنة في المشترك السامي الذي هو: الكلمات التي توجد في معظم اللغات السامية وترجع إلى أصل اشتقاقي واحد يصاحبه تطابق في المعنى أو وجود حقل مشترك في المعنى)، ليكون أصغر وحدة صرفية من الصوامت دالا على معنى يتخلله التصريف والاشتقاق.

والأول منهما يفرق بين (العدد والجنس والشخص والجهة والصيغة)، وأما الآخر فيغلق صورا من الجذر تلبية لحاجة المتكلم.[12]

ويقوم بناء الكلمة في اللغات السامية على أساسين هما:

أ‌- الجذر اللغوي (أصل الكلمة) ويكون من الصوامت، ويرتبط به لمعنى العام للكلمة، وتتكون جذور الكلمات في الساميات من مادة ثلاثية وما جاء من كلمات رباعية مثل دحرج زلزل ترجم إلى آخره؛ فهو راجع إلى المادة الثلاثية ومتفرع عنها على رأي كثير من اللغويين بل ذهب بعضهم إلى أن أصول الكلمات في اللغات السامية، ثنائية وليست ثلاثية ولا رباعية وأن الثلاثي متفرع عن الثنائي.

ب‌- الحروف الصائبة التي بواسطتها يمكن توليد الصيغ المختلفة من الجذر اللغوي، ومنها يتشكل المعنى العام للجذر ويتنوع، فنجد من (ك ت ب) الصيغ التالية:

(كتب كاتب مكتوب كتاب كتابة مكتبة)، وهذه الصيغ تعطي تنوعا للمعنى العام للمادة، (الجذر اللغوي).

كما أن الصيغ الواحدة مثل صيغة اسم الفاعل: (كاتب، دارس) تحدد جزءا من دلالة الكلمة ليكون معنى جملة المفردات هو حصيلة المعنى العام للجذر مضافا إليه معنى الصيغة ومن الملامح الصرفية المميزة للغات السامية أنها تصنف الأسماء باعتبار ثلاثة معايير: الجنس العدد الحالة الإعرابية)، فتصنف الكلمات على اعتبار الجنس إلى مذكر ومؤنث، ولا يرتبط هذا التصنيف بطبيعة الأشياء ولكنه مسألة لغوية ارتبطت بثقافات الشعوب السامية.

هذا في حين نرى لغات غير سامية من أسرة اللغات الهندوأوروبية مثل اللغة الألمانية التي تصنف الأسماء إلى مذكر ومؤنث ومحايد، واعتبار العدد لا يصنف الكلمات إلى مفرد ومثنى وجمع في حين أن اللغات الهندوأوروبية لا تعرف المثنى، واعتبار الحالة الإعرابية يصنف الكلمات إلى ثلاثة أنماط من حيث النهاية الإعرابية للكلمة تتمثل في: نمط الضم لحالة الرفع ونمط الفتح لحالة النصب، ونمط الكسر لحالة الجر.

وتعد ظاهرة الإعراب أصيلة في اللغات السامية ومميزة لها، وإن كانت قد اختفت في معظم اللغات السامية.[13]

3- الخصائص التركيبية

تتميز الجملة العربية بظاهرة التركيب وتتمثل في وجود جملة طويلة مركبة من جملة فرعية ومشتملة على أدوات ربط أو استثناء أو قصر.

4- الخصائص الدلالية

يوجد عدد كبير من المفردات المشتركة في كل اللغات السامية، وفيما يلي تصنيف لأهم المجموعات الدلالية:

- أولها ألفاظ خاصة بجسم الإنسان مثل الرأس والعين واليد والرجل والشعر.

- ثانيها ألفاظ خاصة بالنبات مثل القمح السنبلة.

- ثالثها ألفاظ خاصة بالحيوان مثل كلب ذئب.

- رابعها ألفاظ أساسية مثل ولد ومات وقام وزرع.

- خامسها الأعداد من اثنين إلى عشرة

- سادسها حروف الجر الأساسية (من في على)، وغيرها.[14]

المطلب الثاني: المعارف المشتركة في اللغات السامية

ترجع بعض الأدوات في اللغة العربية واللغات السامية إلى أصول واحدة مشتركة يساعد في الكشف عنها الدراسة المقارنة مع باقي اللغات السامية، مثال هذا اسم الإشارة والاسم الموصول واللتان تعدان من المعارف فسنحاول أن نسلط الضوء على ذلك كي نثبت العلاقة بينهما أي والوشائج والروابط التاريخية اللغوية بينهما في اشتراكهما في أصل واحد يرجعان إليه في مرحلة سابقة على اختصاص كل منهما بوظيفة لغوية مستقلة عن الأخرى والمعارف ست أساسيات في اللغات السامية، وألحقت بها عند العرب بعض الأدوات التي تعد لواحق للمعارف، والمعارف في اللغات السامية هي الضمير والعلم واسم الإشارة والاسم الموصول والمعرف بالأداة والمضاف إلى المعرفة من المعارف السابقة، وهناك من العرب من ألحق المنادى (النكرة المقصودة) بالمعارف وهناك أيضا من أدخل نوعا ثامنا من المعارف عند العرب وهو ألفاظ التوكيد (أجمعون أجمع جمعاء جمع)، وهناك من ألحق من وما الاستفهاميتين بالمعارف وهي ما تعرف بالكنايات الأصل التاريخي المشترك لضمير الوصل الإشاري في اللغات العاربة السامية.

ترتبط الأسماء الموصولة في جمهرة اللغات السامية بأسماء الإشارة ولاسيما الذال الذي يرد علامة للإشارة في جميع اللغات السامية تقريبا لأن الأسماء الموصولة أصلها في كل اللغات السامية أسماء إشارة، وفي كتاب سيبويه يسميها (الأسماء المبهمة) للدلالة على أسماء الإشارة والأسماء الموصولة، وأن ذو بمعنى صاحب قريب من اسم الإشارة كأن فيها إشارة معنوية، وأن الذي تظهره المقارنة اللغوية للغات العاربة أن التمايز بين هذين النوعين من الأدوات أو الأسماء لم يكن في حقبة مبكرة من التاريخ اللغوي قد اكتمل على الوجه الذي آل إليه لاحقا، ففي كثير من اللغات السامية أدوات متقاربة تقاربا شديدا بعضها إشاري وبعضها موصولي، الأمر الذي يوحي بأصول مشتركة بينهما، فإن صح هذا الترابط فقد توسعت دائرة الاشتراك في الأصول لتشمل الضمائر عامة بما فيها ما يمكن تسميته ضمائر الإشارة والموصول.

وليس بمستغرب إذ إن بعض اللغات السامية كالسريانية والعبرية تستعمل ضمائر الغيبة للإشارة، فإنما هي ترجع إلى أصل مشترك إذ تلحق بالضمائر أسماء الإشارة والأسماء الموصولة وقد نشأت في اللغات للتعبير عن شيء واحد، فالإشارة هي نوع من الدلالة على الأشياء والموصولات هي دلالة على الأشياء كذلك، وفي كل هذه تعابير عن أشياء ذوات مذلولات مادية أو شخصيات معنوية.[15]

وصفوة القول إن وجود عدد كبير من ألفاظ المشترك السامي في المعاجم اللغوية وإن كان بعضها مستعملا والبعض الآخر منها يدخل في إطار الركام اللغوي، يؤكد غنى هذه اللغات وتلاقحها الحضاري والتاريخي والثقافي والديني...مما يجعل خصائص بعض منها موحدة مع خصائص البعض الآخر.

-----------------------------

لائحة المصادر والمراجع
[1]- العربية ومكانتها بين اللغات السامية، دراسة وتقويم: محمد صالح شريف عسكري، مجلة إضاءات نقلية السنة الثالثة، العدد التاسع، ربيع 1392هـ آذار 2013م، ص 67.
[2]- الكتاب المقدس (1970م)، سفر التكوين الإصحاح العاشر، الآية 16.
[3]- الأمم السامية مصدر تاريخها وحضارتها: حامد عبد القادر، مراجعة وتعليق عوني عبد الرؤوف، دار نهضة مصر للطبع والنشر، (5مارس1981م)، مصر.
[4]- فقه اللغة السامية: كارل بروكلمان، ترجمة رمضان عبد التواب، نشر المملكة العربية السعودية –جامعة الرياض(1397هـ/1977م)، ص 14 و15.
[5]- لسان العرب: ابن منظور، مادة سحر، الجزء الثالث، ص1903.
[6] - لسان العرب: ابن منظور، مادة قصب، الجزء الخامس، ص3641.
[7]- لسان العرب: ابن منظور، مادة حجب، الجزء 2 ص 777 و778.
[8]- مفردات المشترك السامي في اللغة العربية: حازم علي كمال الدين، نشر مكتبة الآداب (القاهرة – مصر) الطبعة الأولى (1429هـ/2208م)، ص من 19 إلى 22.
[9]- مدخل إلى نحو اللغات السامية: سباتينو موسكاتي وأنطون شيتلر وإدفارد أولندورف وفلرام فون زودن، ترجمة وتقديم مهدي المخزومي وعبد الجبار المطبلي، الطبعة الأولى (1414هـ/1993م)، نشر مؤسسة عالم الكتب-بيروت-لبنان)، ص من 43 إلى 48.
[10]- المشترك والدخيل من اللغات السامية في العربية (دراسة في الأصوات، عبد الوهاب محمد عبد العالي، مجلة الساتل، جامعة 7 أكتوبر كلية المعلمين مصراتة ليبيا، ص71.
[11] - العربية وعلم اللغات الحديث، محمد محمود داود، جامعة قناة السويس (2001م) دار غريب للطباعة والنشر، ص من 242 إلى 245.

[12]- من خصائص المستوى الصرفي السامي (الجذر والاشتقاق) دراسة تطبيقية: إحسان فؤاد عباس، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية، العدد الثامن عشر والإنسانية، جامعة بابل، كانون الأول 2014م، ص 339.
[13] - العربية وعلم اللغات الحديث، محمد محمود داود، جامعة قناة السويس (2001م) دار غريب للطباعة والنشر، ص من 242 إلى 245.

[14]- العربية وعلم اللغات الحديث، محمد محمود داود، جامعة قناة السويس (2001م) دار غريب للطباعة والنشر، ص من 242 إلى 245.
[15]- العلاقة بين الاسم الموصول واسم الإشارة في اللغات العاربة السامية: محمود شفيق عرميط، مجلة آداب الفراهيدي، العدد الثامن (أيلول2011م)، ص 95و96.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.