كاتب(ة) : روابح سهام
ذكريات مع سابق الإصرار
وكم أصبح البشر يا جدتي يتنفسون نفاقا متلذذين بطعمه الغريب المشبع بالمصالح.. يتناحرون تارة ثم يجلسون إلى طاولة المشرحة تارة أخرى مستمتعين بضحية أخرى، فكما يقال وقت المصالح الكل يتصالح.
لقد تغير العالم كثيرا منذ رحيلك القسري وكأنك سرقت براءة كل طفل لا يزال في المهد وكأن سوادا حالك أطفأ بكراهيته كل الألوان الربيعية فلا أشعة الشمس إحتضنتنا ولا جماد الثلج تقبلنا.
جدتي..
ملامحك تنعكس علي في مرآة الحياة فهلا قصصت علي بعضا من رواياتك الدافئة والتي رغم سذاجتها و بساطتها غمرتنا بلطفها و بأملها.. آه يا جدتي كم تغيرت ملامح الفصول برحيلك فقد استبدل الشجر أوراقا بأقنعة تتناثر بمجرد هبة نسمة رقيقة.
جدتي..
فراقك لم أستصغه ليومنا هذا فكم اشتقت الجلوس في حضنك الشبيه بريش النعام .. وتغريدك العذب بمختلف الأشعار و الأغاني التي يفوح منها عبق التاريخ الأصيل المستوحاة من حكايا القصبة حين كانت "النية" عنوانا للمعاملات الإنسانية.
جدتي..
الساعة تشير إلى الحادية عشر ليلا.. هاقد أتت العشيقة المتيمة مرتدية فستانا أسود يكاد يأكل من جسدها قطعة...أتحت التراب أم فوق الغيوم أم بين أحضانك يا متيمة.
أما اكتفيتي من تعذيبي ألم يكفيكي جسدي المنهوك والهزيل ألم تشفع دموعي المتساقطة كقطرات الندى.
ذكريات اهجريني كما فعل بي حبيبي: اكرهيني جافيني فقد اكتفيت منك ألم تسأمي من هذا الوجه المزين بندوب الحياة..
ذكريات اغدريني كما فعل بيوسف.. ألقيني في غياهب النسيان ففي حضورك تخر جهنم تحت قدميك.
جدتي..
رحلت وتركتني في حقل ألغام بشرية أينما خطوت أفاجأ بوجه جديد يبتاعونه في السوق السوداء الداكنة كالغراب فمن كان أعز و أقرب أضحي أذم وأبعد.
وحيدة أنا يا جدتي في بيتي الزجاجي انعزلت عن الأصدقاء والأحبة دهشت من التعابين العائلية التي ما انفكت عن لذغي.
جدتي..
يا حبيبتي هل تسمعين صراخي الباطني فصوتي سار حيث تسير الأموات بحثا عنك.. أخط هذا بحبر الأشواق ولهيب الذكرايات.. إليك يا حبيبتي الأزلية.