بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 5 سنة
  •  3
  •  0

من قواعد المنهج التربوي عند أبي حامد الغزالي

فلما كثر الفساد واشتد الصراع بين الناس في هذا الزمان وتعددت المصالح والرغبات، وتنادى الكل بإتباع الشهوات فكادت أن تنعدم الأخلاق وينهار عالم المبادئ والقيم الإسلامية بانهيار التربية وانتشار الأخلاق الفاسدة والعادات السيئة.

توكلت على المنان الوهاب واخترت بأن أسهم بهذا البحث المتواضع الموسوم ب: "من قواعد المنهج التربوي عند أبي حامد الغزالي" في إحياء مبادئ وقيم الدين الإسلامي القائم على مجموعة أصول وقواعد وضوابط رصينة والتي من بينها التربية حتى تعود منهجا دينيا دنيويا، علميا للوصول إلى العالم الأخروي: وآليت على نفسي أن أختار أبا حامد الغزالي نموذجا، لما يحتله من مكانة عليا في هذا المجال فهو الفقيه والمتكلم والمتصوف وعالم النفس والفيلسوف والمعلم والمربي الذي جعل التربية بمثابة علم لا نهاية له وطالب الأطر التعليمية أن تتحلى بالأخلاق الفاضلة والقيم السامية أثناء آدائها الأمانة التي وكلت إليها وهذا ما سيتضح للمتلقي أثناء قرائته لهذا البحث الذي جعلته على ثلاث فصول بعد المقدمة، فبدأته بالحديث: عن مفهوم القاعدة والمنهج والتربية مع ذكر نبذة قصيرة عن حياة الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، وثنيت بالكلام على بعض من القواعد التربوية لأبي حامد الغزالي التي استقيتها من بعض الدراسات العلمية وأنهيته بذكر بعض القواعد التربوية الدينية من خلال رسائل الغزالي التي تتكون من أربعة أجزاء وختمت بمجموعة من النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة وبعضا من التعليقات الخاصة.

أما المصادر التي اعتمدتها فقد كانت متنوعة بحسب مقتضى الموضوع الذي اعتمدته، كان في مقدمتها القرآن الكريم وبعض الأحاديث المقتبسة من السنة النبوية.

والله أسأل أن يجعل عملي هذا له خالصا وللناس أجمعين نافعا والحمد لله رب العالمين.

الفصل الأول: دراسة مفهومية

المبحث الأول: مفهوم القاعدة لغة واصطلاحا

المطلب الأول: مفهوم القاعدة لغة

القاعدة في اللغة: أصل الأس والقواعد الأساس وقواعد البيت أساسه.

وفي التنزيل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل".[1]

وفيه أيضا: "فأتى الله بنيانهم من القواعد".[2]

قال الزجاج (وهو الزجاج هو إبراهيم ابن محمد بن السري بن سهيل النحوي ولد ببغداد عام 241هـ، وتوفي بها عام 311هـ من مصنفاته: "كتاب ما فسر من المنطق): القواعد أساطين البناء التي تعمده ومن قولهم بنى أمره على قاعدة.

وقال أبو عبيد (وهو القاسم بن سلام البغدادي اللغوي الفقيه صاحب المصنفات كان حافظا للحديث عارفا بالفقه والاختلاف رأسا في اللغة وإماما في القرآن): قواعد السحاب أصولها المعترضة في آفاق السماء وأحسبها مشتبهة بقواعد البيت وهي حيطانه والواحد منها قاعدة.

وقال أبو عبيدة (وهو هو أبو عبيدة معمر بن المثني البصري أعلم أهل زمانه بالعربية توفي ما بين سنة(1209و1212هـ): قواعد البيت أساسه مخفف والجميع أسس وجماع الأسس إذا ضممته أساس وتقديره أفعال.[3]

المطلب الثاني: مفهوم القاعدة اصطلاحا

قد يختلف معنى القاعدة في الاصطلاح عند الفقهاء وعند الأصوليين والنحاة فالقاعدة عند الأصوليين والنحاة هي: "حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته لتعرف أحكامها منها"، ومن أمثلتها عند الأصوليين: "الأمر إذا تجرد من القواعد أفاد الوجوب"، وأما مثالها عند النحويين: "الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب".[4]

أما القاعدة في اصطلاح الفقهاء فقد عرفها الحموي في حاشيته على الأشباه والنظائر لابن نجيم بقوله: "هي حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته لتعرف أحكامها منها".[5]

وعرفها الدكتور محمد أنيس عبادة بقوله: "والقاعدة في اصطلاح الفقهاء قضية كلية يتعرف منها أحكام الجزئيات المندرجة تحت موضوعها".[6]

أما فضيلة الأستاذ مصطفى الزرقا فقد عرفها بقوله: القواعد الفقهية أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكام تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها".[7]

وقد يطلق على القاعدة أحيانا الضابط والمسألة الأصل.

وتعرف بأنها: "أمر كلي ينطبق على جزئيات متعددة، أو هي قضية كلية تنطبق على جميع جزئياتها".

ومن أشهر القواعد في حلول القضايا الفقهية لشمولها واتساعها قاعدة: "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني"، وقاعدة: "الأصل براءة الذمة"، وقاعدة :"لا ضرر ولا ضرار".

وعلى ذلك: فإن القاعدة الفقهية أكثر شمولا واتساعا لأنها تضم مجموعة جزئيات في موضوعات مختلفة تصاغ في ضابط مختصر يستدل به في هذا الإطار.[8]

المبحث الثاني: مفهوم المنهج

المطلب الأول: مفهوم المنهج لغة

المنهج في اللغة مصدر نهج والجمع نهجات ونهج ونهوج والنهج الطريق.

يقول أبو ذؤيب:

به رجمات بينهم مخارم***نهوج كلبات الهجائن فيح

وطريق نهج بمعنى بين واضح والمنهج السبيل أيضا ومنهج الطريق وضحه وأنهج الطريق بمعنى وضح واستبان وصار نهجا واضحا بينا ونهجت الطريق إذا سلكته.

يقال: فلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه وأنهج بلى ولم يتشقق.

قال ابن الأعرابي: أنهج فيه البيلى استطار وأنشد يقول:

كالثوب أنهج فيه البيلى***أعيا على دي الحيلة الصانع

وقد نهج الثوب والجسم إذا بليا، وأنهجه البيلى إذا أخلقه.

يقول الأزهري: نهج الإنسان، و الكلب ينهج نهجا؛ فالأولى إذا انبهر وربا والثانية يلهت.[9]

وفي التنزيل: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".[10]

المطلب الثاني: مفهوم المنهج اصطلاحا

ساهم التطور الحديث في مختلف الأصعدة إلى تطور النظرة لمختلف العلوم ومنها المناهج، فلم يعد المنهج مقصورا على ما تقدمه المدرسة من مقررات دراسية وإنما أصبح المنهج يشمل كل ما يقدم للطالب من خبرات تربوية، مخطط لها بهدف النمو الشامل لهم.

وهذه النظرة جاءت بسبب التطور الكبير والانفجار المعرفي الذي ترتب عليه زيادة المسؤوليات والواجبات.

وبالتالي فما يقدم للتلاميذ يجب أن يكون مخططا له بعناية فائقة حتى يستوعب هذه التغيرات المتتالية.

وهذا يعني أن مسؤولية ما يقدم للتلاميذ لا يقتصر على وظيفة المدرسة والعاملين بها وإنما يشترك فيه العديد من المؤسسات في المجتمع بهدف بناء جيل صالح.

وكما هو في بقية العلوم الإنسانية اختلفت نظرة المتخصصين في علم التربية في تعريفهم للمنهج وتدور معظم تعاريفهم ضمن مجموعتين.

1- التعاريف التقليدية والتي تشير للمنهج الدراسي على أنه مقرر دراسي.

2- التعاريف الحديثة والتي ترى أن المنهج هو كل ما يقدم للطالب من خبرات تعليمية تهيئها المدرسة للتلاميذ داخلها أو خارجها لمساعدتهم على نمو شخصياتهم نموا شاملا متوازنا وفقا للأهداف التربوية.

المبحث الثالث: مفهوم التربية

المطلب الأول: مفهوم التربية لغة

جاء في مقاييس اللغة لابن فارس الراء والباء تدل على أصول فالأول: إصلاح الشيء والقيام عليه، والرب: المصلح للشيء يقال رب فلان ضيعته إذا قام على إصلاحها.

والله جل ثناءه الرب لأنه مصلح أحوال خلقه، والثاني: لزوم الشيء والإقامة عليه وهو مناسب للأصل الأول.

يقال: إذا أربت السحابة بمعنى إذا دامت.

وأرض مرب: لا يزال بها مطر ولذلك سمي السحاب ربابا.

ويقال للسحاب المتعلق دون السحاب الرباب وقد يكون أبيضا وقد يكون أسودا.

والثالث: ضم الشيء وهو أيضا مناسب لما قبلهن، يقال للخرقة التي يجعل فيها القداح ربابة والربابة العهد أيضا، لأنه يجمع ويألف بين الناس.[11]

قال الراغب الأصفهاني: "الرب في الأصل التربية هو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام".[12]

وجاء في القاموس المنجد رب القوم بمعنى ساسهم وكان فوقهم "ورب الأمر بمعنى أصلحه، فعلى ذلك تكون التربية، عملية إصلاح وتوجيه وقيادة للإنسان في مختلف حياته وأبعاد كيانه.

المطلب الثاني: مفهوم التربية اصطلاحا

التربية: عملية بناء وتوجيه للإنسان والوصول به إلى مرحلة النضج والكمال ولهذه الغاية جاءت الرسالات والشرائع الإلهية وتتابع الرسل والأنبياء الذين جاؤا لتربية الإنسان وبنائه بناءا روحيا وفكريا وسلوكيا وجسديا، متوازنا وسليما، يمكنه من آداء رسالته والتعبير عن إنسانيته.

والتربية ليست عملية تعليم ونقل أفكار، وحشو مفاهيم وزيادة معلومات، إذ ليست المعرفة والمعلومات في عملية التربية إلا تصميما هندسيا يبنى على أساسه الإنسان، ويقام على هديه البناء؛ فالثقافة والمعارف بيد المربي كالخارطة والتصميم وكما أن هذه الأخيرة تعكس تصور المهندس وقدرته العلمية والفنية على التصور العلمي والتخطيط العملي والإحساس الفني وكذلك المبادئ والأسس والمناهج التربوية، فإنها تعكس وعي المربي وقدرته ومنهجه ومبادئه التربوية على إعداد الإنسان وبنائه.

ومن جهة أخرى فإن مهمة المربي تشاكل إلى حد بعيد مهمة المهندس ودوره في قيادة وتطبيق أفكاره وتصوراته.[13]

المبحث الرابع: ترجمة أبي حامد الغزالي

المطلب الأول: مولده ونشأته

هو الإمام الجليل محمد بن محمد أبو حامد الطوسي الغزالي حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دراسة الإسلام جامع شتات العلوم والمبرز في المنقول منها والمفهوم، ولد عام (450ه/1058م) بمدينة طوس من أعمال خرسان وهو فارسي الأصل والمولد كان أبوه رجل خير وصلاح، يعيش من غزل الصوف، ويبيع ما يغزله في دكان بسوق الصوافين فسمي الغزالي نسبة إلى حرفته، ومنهم من يقول إن نسبته إلى غزالة وهي قرية من قرى طوس، فيكون اسمه الغزالي بتخفيف الزاي، ولقد توفي أبوه ودفعه وأخاه أحمد قبيل وفاته إلى صديق متصوف ليعلمهما وقال له: إن لي لتأسفا عظيما على تعلم الخط وأشتهي استدراك ما فاتني في ولدي هذين، فعلمهما ولا عليك أن ينفد جميع ما أخلفه لهما".[14]

فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فني النزر اليسير الذي تركه والدهما وتعذر عليه القيام بقوتهما فقال لهما: "اعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما، وأنا رجل من أهل الفقر والتجريد ليس لي مال، فأواسيكما به، وأصلح ما يعينكما على وقتكما أن تلجأ إلى مدرسة كأنكما من طلبة العلم فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما".[15]

وفعلا التحق الغزالي بإحدى المدارس النظامية التي كانت تؤمن للطلاب قوتهم وانكب على دراسة الفقه والتعمق في فهمه بدءا من طوس ونهاية جرجان حيث تابعها عام (1073م).

تم انتقل إلى نيسابور حيث اتصل بالجويني المعروف بإمام الحرمين وجاوره حتى وفاته عام (477هـ/1085م)، ثم قصد نظام الملك في معسكره فأكرمه وبقي في كنفه حتى مضت ست سنوات وولاه التدريس بنظامية بغداد عام (482هـ/1090م)، وباشر عمله بنجاح تام.

وقد اشتغل إلى جانب التدريس بالتفكير والتأليف في الفقه والكلام وفي الرد على الفرق المنتشرة آنذاك من باطنية إسماعيلية وفلسفية، فوقع في أزمة من الشك في أول مراحل حياته شملت معتقداته الدينية وجميع معارفه من حسية وعقلية، لكن شكه لم يدم أكثر من شهرين وفي هذه الفترة من حياته التدريسية ألف كتبا كثيرة ثم أراد اعتزال التدريس، وسلوك طريق الصوفية، بعد أن اطلع على جميع مقاصدهم العلمية وصارت شهوات الدنيا تتجاذبه سلاسلها إلى المقام، ومنادي الإيمان ينادي، "الرحيل، الرحيل"، ومر بأزمة عنيفة وصفها وصفا دقيقا في كتابه "المنقذ من الضلال"، وأخيرا صح عزمه وفارق بغداد عام (488هـ/1096م).

ليعتكف في مسجد دمشق، يصعد منارة المسجد طول النهار ويغلق بابها على نفسه، ثم انتقل من الشام إلى بيت المقدس يدخل الصخرة كل يوم، ثم تحركت فيه داعية فريضة الحج فسار إلى الحجاز، ثم جذبته الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن فعاوده بعد أن كان أبعد الناس عن الرجوع إليه، لكن إقامته في طوس بين عياله كانت حياة خلوة أيضا وتصفية القلب للذكر وكانت حوادث الزمان ومهمات العيال وضرورات المعاش تغير فيه وجه المراد وتشوش صفوة الخلوة.

دامت هذه الحالة عشر سنوات، ألف فيها أشهر كتبه وخصوصا: إحياء علوم الدين وفي عام (499هـ) خرج الغزالي من عزلته وقصد نيسابور، حيث زاول التدريس في نظاميتها وكان السبب في عودته إلى التدريس بأمر من السلطان (محمد أخي بركيا روف) الذي تولى الحكم عام (497هـ/1104م)، لم تطل إقامة الغزالي بنيسابور أكثر من سنتين، ترك بعدها التدريس واعتزل في طوس على إثر مصرع فخر الملك ابن نظام الملك عام (499هـ/1106م) وهناك في مسقط رأسه اتخذ مدرسة للفقهاء بالقرب من داره، كما اتخذ خانقاها للصوفية، وقد كان أبو حامد الغزالي أفقر أقرانه وإمام أهل زمانه.[16]

المطلب الثاني: تربيته وعلمه

قرأ الغزالي رضي الله عنه في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد بن محمد الراذكاني ثم سافر إلى جرجان أبي نصر الإسماعيلي وعلق عنه التعليقة (وهي المراد بالتعليقة ما يشبه الكتاب الذي يتضمن نقولا أو مذكرات علقها الإمام أبو حامد الغزالي رحمة الله عن شيخه أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي في فروع الفقه الإسلامي)، ثم رجع إلى طوس قال الإمام أسعد الميهني: قد سمعته يقول:

"قطعت علينا الطريق وأخذ العيارون جميع ما معي ومضوا فتبعتهم، فالتفت إلي مقدمهم وقال: ارجع ويحك وإلا هلكت، فقلت أسألك بالذي ترجو فسلامة منه أن ترد لي تعليقتي فقط، فما هي شيء تنتفعون به ".

فقال لي: وما هي تعليقتك؟ فقلت: "كتب في تلك المخلاة، هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها، فضحك وقال: كيف تدلي أنك عرفت علمها وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتها وبقيت بلا علم ثم أمر بعض أصحابه فسلم إلي المخلاة".

قال الغزالي: "فقلت هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني به لأمري فلما وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميع ما علقته وصرت بحيث لو قطع الطريق لم أتجرد من علمي".[17]

حفظ أبو حامد الغزالي القرآن وتعلم القراءة والكتابة وشيئا من النحو ودرس شيئا من الفقه في طوس على أحمد بن محمد الراذكاني، ثم ارتحل إلى جرجان حيث جلس إلى الإمام أبي القاسم إسماعيل بن مسعدة وأخد عنه التعليقة...

ثم عاد الى طوس وارتحل ثانية إلى نيسابور في رفقة جماعة من الطلبة ولازم أمام الحرمين (وهو هو أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد بن يوسف الجويني ولد عام 419 هـ الموافق ل 1028 وتوفي عام (478هـ) الموافق ل: (1085م)، ثم عاد إلى نيسابور بعد أن استقرت الأحوال ودرس في المدرسة النظامية نحوا من ثلاثين سنة، ثم رجع إلى طوس واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية، ووزع أوقافه على وظائف من ختم القرآن ومجالسة أرباب القلوب، والتدريس لطلبة العلم، وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات، وإن ملازمته لإمام الحرمين جعلته يجد ويجتهد حتى برع المذهب والخلاف والأصلين الجدل والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة وأحكم كل ذلك وفهم أرباب هذه العلوم، وتصدى للرد عليهم وإبطال دعاويهم وصنف في كل صنف من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد وضعها وترصيفها.

كان رضي الله عنه شديد الذكاء، نجيب الفطرة، مفرط الإدراك بعيد الغور غواصا على المعاني الدقيقة جبل علم، وكان مناظرا محاجا وعالما عظيما.

يقول الغزالي في كتابه الإحياء: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا الله".[18]

تكلم على لسان أهل الحقيقة بعدما رجع إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وحدث بكتاب الإحياء.

قال ابن النجار: " لم يكن له أستاذ ولا طلب شيئا من الحديث، لم أرى له إلا حديثا واحدا هو تاريخه".

خرج الغزالي إلى العسكر قاصدا الوزير نظام الملك لما مات إمام الحرمين، ناظر الأئمة والعلماء في مجلسه وقهر الخصوم وظهر علامة على الجميع واعترفوا بفضله وتلقاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل وولاه التدريس في مدرسته ببغداد، وأمره بالتوجه إليها، فقدم بغداد سنة أربع وثمانين وأربعمائة، ودرس بالنظامية وأعجب الخلق بحسن كلامه وكمال فضله وفصاحة لسانه ونكته الدقيقة وإشاراته اللطيفة وأحبوه وأحلوه محل العين وقالوا: "أهلا بمن أصبح لأجل المناصب أهلا".

قال فيه الإمام محمد بن يحي: "الغزالي هو الشافعي الثاني".

وقال أسعد الميهني: "لا يصل إلى معرفة علم الغزالي وفضله إلا من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله".

وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن المنعم العبدري: "رأيته بالإسكندرية فيما يرى النائم كأن الشمس طلعت من مغربها".

أما إمام الحرمين فقد قال فيه: " الغزالي بحر مغرق".

أقام على التدريس وتعليم العلم مدة عظيم الجاه زائد الحشمة عالي الرتبة مشهور الاسم تضرب به الأمثال وتشد إليه الرحال وترك كل ذلك وراء ظهره وقصد بيت الله الحرام فحج وتوجه إلى الشام في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وجاور بيت المقدس ثم عاد إلى دمشق واعتكف في زاويته بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية نسبة إليه.

لقد كان أبو حامد الغزالي رحمه الله رجلا ورعا تقيا لبس الثياب الخشنة وقلل طعامه وشرابه وأخذ في التصنيف للإحياء وصار يطوف المشاهد ويزور الترب والمساجد ويأوي إلى الفقر ويروض نفسه ويجاهد الأبرار ويكلفها مشاق العبادات ويبلوها بأنواع القرب والطاعات إلى أن صار قطب الوجود والبركة العامة لكل موجود والطريق الموصل إلى رضا الرحمان.[19]

المطلب الثالث: أساتذته، إنتاجاته، تلاميذه.

أ- أساتذته:

من أساتذة الغزالي في الحديث: أبو سهل محمد عبد الله الحفصي اللمروزي والحاكم، أبو الفتح نصر بن علي أحمد الحاكمي الطوسي، وعبد الله بن محمد بن أحمد الخواري ومحمد بن يحيى السجاعي الزوزني ونصر بن إبراهيم المقدسي وعمر بن أبي الحسن الرؤواس الدهستاني.

أما أساتذته في التصوف: الفضل بن محمد بن علي القارمذي الطوسي ويوسف النساخ.[20]

- أخذ الغزالي عن أمام الحرمين مذهب الأشاعرة، وفي صباه بدأ نجمه يظهر يساعده على هذا استعداد ملهم منذ الصغر ورغبة قوية في التعلم ونهم شديد إلى البحث والإطلاع، يقول الغزالي عن نفسه: "لقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول وريعان عمري غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي لا باختياري وحيلتي".[21]

حتى قال فيه أستاذه وفي رفاقه: الغزالي بحر مغرق والكيا أسد مطرق والخوافي نار تحرق"، وفي رواية أخرى: "التحقيق للخوافي والحدسيات للغزالي والبيان للكيا".[22]

ت - انتجاته:

لقد كان الغزالي من المولعين بكثرة التأليف حتى أربت تآليفه على الثلاث مئة وهذه الكثرة المفرطة تقتضي زمانا متطاولا ومجهودا شاقا متواصلا حتى يستطاع فهمها وجمع شتاتها واستخراج منهج المؤلف وعقيدته من بين ثناياها، لقد وضعت بعض المؤلفات وأضيفت إلى الغزالي بقصد سيء، إذ حشيت بالأفكار التي لا تلتئم مع مجموعة أفكاره حتى تشوش على سمعته، كما فقدت بعض مؤلفاته وبعضها الآخر مازال مخطوطا والتي نذكر منها:

إحياء علوم الدين – المنقذ من الضلال – تهافت الفلاسفة – الوسيط – الكشف والتباين في غرور الخلق أجمعين – البسيط – الوجيز – المنخول – الخلاصة – المنقول – تحصين الأدلة- معراج الصالحين – ميزان العمل – شفاء العليل – أسماء الله الحسنى – الرد على الباطنية- منهاج العابدين – المقصد الأسنى – معراج القدس...

وهي كتب تدرس علم الكلام – الفلسفة العقلية – التصوف أو الفلسفة الروحية - الدعوة إلى التجديد أو العودة إلى النقاء الإسلامي الصافي.

ب- تلاميذه:

تلاميذ الغزالي كثيرون منهم القاضي أحمد بن عبد الله الخمقري المتوفي عام (544هـ)، وأبو منصور محمد بن إسماعيل العطاري المتوفي عام (573هـ)، والإمام أبو الفتح أحمد بن علي محمد بن برهان المتوفي عام (518هـ)، وأبو سعيد بن محمد بن أسعد الشوقالي المتوفي عام (554ه)، وأبو طاهر الشيباني المتوفي عام (518ه)،ـ وأبو الفتح الأذربجا، وخلف بن أحمد بن علي بن محمد بن برهان المتوفي عام (518هــ)، وخلف بن أحمد التيسابوري وأبو عبد الله بن تومرت المهدي وأبو حامد الأسفرييني، وأبو عبد الله محمد العراقي البغدادي وأبو سعيد محمد بن علي الجاداني.( ذكرهم الزبيذي في الفصل العشرين من كتابة إتحاف السادة المتقنين بشرح أسرار إحياء علوم الدين وقد سجلها نقلا عنه عبد الكريم العثماني في سيرة الغزالي ص 197).

المطلب الرابع: وفاته

تووفي أبو حامد الغزالي بطوس ودفن بظاهر قصبة الطابران يوم الإثنين 14 جمادى الآخر (505هـ) الموافق ل 18 ديسمبر (1111م).[23]

كان عمره أربعة وخمسون عاما انتقل إلى رحمة الله ورضوانه طيب الثناء أعلى منزلة من نجوم السماء وأهدى للأمة من البدر في الظلماء لا يبغضه إلا حاسد أو زنديق.[24]

الفصل الثاني : من قواعد المنهج التربوي عند أبي حامد الغزالي

المبحث الأول: التربية الأسرية

المطلب الأول: الجنس من أجل اللذة والإنجاب

مــــــــدخل:

بغض النظر عن وجود الغريزة الجنسية إلى غاية التناسل وبقاء النوع تتولد رغبة جنسية عند كل إنسان، وترافقها لذة جنسية لا حدود لها لإرواء روحه وتجديد نشاطه.

وبالرغم من كونهما وسيلتين مشوقتين لتحقيق المقصود من وضع تلك الغريزة، إلا أنه لا بد للتناسل من ضوابط تقي المجتمع من الفوضى الجنسية، ومساوئها الخلقية، وتحدد المسؤولية عن حضانة الذرية وتربيتها ورعاية مصالحها.

لذا شرع الزواج الذي ينبني على هدفين رئيسيين هما:

- إرواء الميل الجنسي بطريقة مشروعة.

- الذرية التي تحقق بقاء النوع الإنساني واستمرار الأسرة ونماء الأمة وبقائها.

*الفرع الأول: موقف أبي حامد من الزواج

إن ما ذكرناه من الحقائق التي يقررها علماء النفس والاجتماع قد أشار إليها الإسلام بتعاليمه السامية وأدرك ذلك علمائه الأعلام، ومن جميل ما قيل في ذلك ما كتبه قديما أشهر عالم نفس مسلم وهو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمة الله تعالى وذلك في فوائد النكاح، في تعداد فوائد النكاح فقال:

الفائدة الأولى: الولد وهو الأصل وله وضع النكاح، والمقصود من بقاء النسل، ألا يخلو العالم من جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفعل في إخراج البذر وبالأنثى في التمكين من الحرث تلطفا بهما في السياق إلى إنقاص الولد بسبب الواقع كالتلطف في بث الحب الذي يشتهيه السياق إلى الشبكة، وكانت القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج.

لكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها إظهارا للقدرة وإتماما لعجائب الصنعة وتحقيقا لما سبقت به المشيئة وحقت به الحكمة وجرى به القلم.[25]

*الفرع الثاني: الجنس من أجل اللذة وإشباع الرغبة وكذا الإنجاب.

إن أيا من الهدفين قصده كل من الزوجين في المناسبة الجنسية، فإن له أجرا أي سواء نوى إعفاء نفسه وزوجه بضبط الغريزة الجنسية في مجال الحلال أو ابتغى النسل الصالح الذي يخلفه ويزيد في تعداد أمة الإسلام ولقد نبه الله تعالى المؤمنين إلى غاية الإنجاب عند إرواء الميل الجنسي وذلك في الآية التي أباح فيها المعاشرة الزوجية ليلة الصيام حيث قال عز وجل: " أحل لكم ليلة الصيام الرفت إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب الله عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلمهم يتقون".[26]

وفي هذا قال الفخر الرازي: ذكروا في الآية وجوها أحدها: (وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد) وهذا جزء من حديث شريف رواه الإمام مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.

-ابتغوه- بالمباشر، أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها، ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل.

أما الثاني: فهو نهي عن العزل وقد رويت الأخبار في كراهية ذلك.

والثالث: أن يكون المعني ابتغوا المحل الذي كتب الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم ونظيره قوله تعالى: "فأتوهن من حيث أمركم الله".[27]

والرابع: أن هذا تأكيد تقديره فالآن باشروهن وابتغوا هذه المباشرة التي كتبها الله لكم بعد أن كانت محرمة عليكم.[28]

وقد ذكر الفخر، أقوالا أربعة أخرى بحيث جعل إلى جانب القرطبي القول بابتغاء التناسل والولد في مطلع الأقوال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تناسلوا تكثروا" وفي نية إرواء وضبط الغريزة الجنسية في مجال الحلال قال رسول الله عليه أزكى الصلاة وأبهى السلام: "وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا يا رسول الله: أتأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (يقصد هنا ما رواه القرطبي عن ابن عباس ومجاهد والحكم وابن عتيبة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك، شرحا للآية).

المطلب الثاني: تنظيم النسل في الإسلام

مدخل

عن جابر رضي الله عنه قال:" كنا نعزل" (وهو العزل هو عدم الإنزال في الفرج) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل"، وعن عمرو رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها".

وروى جابر رضي الله عنه أيضا: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لي جارية وهي خادمتنا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعزل عليها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها".

فلبث الرجل ثم آتى فقال إن الجارية قد حملت"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أخبرتك أنه سيؤتيها ما قدر لها".[29]

*الفرع الأول: علاج تنظيم النسل

1- علاج تقليدي

يسمح للزوج والزوجة باتخاذ الوسائل القديمة والحديثة التي يتمكنان بها من عدم الإنجاب أو من تقليل المواليد على الأقل خلال فترة تقصر أو تطول تبعا للحاجة ويمكن الإفتاء بجوازه.

قال الشوكاني في "نيل الأوطار": فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقروا عليه بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب الأكثر من علماء الأصول على ما حكاه في الفتح " إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم عن الأحكام.

بل ورد للتصريح في بعض طرق الحديث باطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك: فعن جابر قال كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا".

وقال أيضا: " كانت لنا جوار فكنا نعزل".

وعن ابن عمر أنه كان يعزل عن أمته وعن ابن عباس مثله.[30]

وأود أن أشير إلى أن كتاب الأسرة الإسلامية ناقش موضوع النسل بعنوان تحديد النسل ولكنني اخترت أن أغيره بتنظيم النسل فالتحديد لا يلائم مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف الذي قام بالتنظيم عوض تحديد النسل، وهذا مذهب مالك والشافعي وأهل الكوفة وجمهور أهل العلم وقد حكى الحافظ ابن حجر العساقلاني في " فتح الباري" عن ابن عبد البر أنه قال: لا خلاف بين العلماء أن لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما يلحقه عزل، ويقاس على العزل استعمال العمد الذي هو غلاف رقيق من المطاط يعمد الرجل عضوه التناسلي فيه أثناء الجماع وكذلك استعمال كم من المطاط بوضعه على عنق الرحم، وهذا أضمن الوسائل كما هو معلوم، وهو علاج يقوم به الفرد بمحض إرادته ولا حق للحكومة في إجبار أحد عليه.[31]

- علاج عصري

يكون بالقيام بإصلاح واعي ومستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أولا وقبل كل شيء، ومن نهضة اقتصادية ثورية لا تحيد عن الإسلام قيد أنملة تضمن الشغل للعاطين وتحل مشاكل المسلمين وإيجاد التوازن بين الصادرات والواردات ضمانا للاستقرار وتعالى الله لم يوجد نسمة بدون رزق فهو القائل: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها".[32]

وفي الحديث القدسي: "لو أن أولكم وآخركم وإنسكم جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".

غير أنه جعل لكل شيء سببا فدعا إلى استخدام العقل البشري وجميع الطاقات البشرية فيما خلقته له لبناء مجتمع قوي ومتين تسوده قيم التكافل الاجتماعي وقيم المحبة والإخاء، حيث يبذل الإنسان طاقته في معالجة طاقات الكون الذي يمنح لهذا الإنسان ما يحفظ به حياته ويجدد طاقته وحيويته لينفقها هذا الأخير في العمل، فتتفتح بذلك الطاقات ويبارك الإيمان هذه الطاقات العاملة التي تطلق آيات الله في الآفاق لتكرم الإنسان فيغدو الحفاظ على كرامته فريضة إيمانية وشريعة دينية وإبرازا لجلال الكون وعظمة الخالق مما يحصل تأمله وتدبره والعلم بنواميس العمل والاستفادة من طاقته سياحة قدسية وعبادة خاشعة.

يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور".[33]

وهذا العلاج تقوم به الدولة بغرض مجموعة من القوانين بتوفير جل السبل الناجحة والإمكانيات الضرورية بتوفير راحة الأفراد في المجتمع.

*الفرع الثاني: العزل

1- النيات الباعثة على العزل عند أبي حامد الغزالي لقد عد حجة الإسلامي الغزالي رحمه الله للإحياء من النيات الباعثة على العزل خمسا فقال:

- الأولى في السراري وهو حفظ الملك عن الهلاك باستحقاق، وقد استبقى الملك بترك الإعتاق ودفع الأسباب ليس بمنهي عنه.

- الثانية استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها من خطر الطلق، وهذا أيضا ليس منهيا عنه.

- الثالثة الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء وهذا أيضا غير منهي عنه فإن قلة الحرج معين على الدين، نعم الكمال والفصل في التوكل والثقة بضمان الله عز وجل حيث قال: "وما من من دابة في الأرض إلى على الله رزقها".[34]

ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل، ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضا للتوكل، فلا نقول إنه منهي عنه.

- الرابعة الخوف من الأولاد الإناث لما يعتقد في تزوجيهن من المعرة فهذه النية فاسدة لو ترك بسبها أصل النكاح أو أصل الوقاع إثم بها لا يترك النكاح والوطء فكذا في العزل والفساد في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد.

وينزل منزلة امرأة نزعت النكاح استنكافا من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال ولا ترجع الكراهة إلى عين ترك النكاح.

- الخامسة أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغة في النظافة والتحرير من الطلق والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض، ولا يدخلن الخلاء إلا عراة، فهذه بدعة تخالف السنة، فهي إذن نية فاسدة.[35]

- موجبات العزل

تحت شروط وقيود دقيقة وعلامات قوية لا بد منها في الطب و لكي لا يكون العمل جنائيا وليس للطبيب أن يستبد برأيه في التحقق من هذه الأسباب والعلامات والشروط:

ذكر الدكتور المصري محمد عبد الحميد في مقال نشره ب: "مجلة الإسلام" المصرية أنه من جملة الموانع التي تحمل الزوجين على عدم الإنجاب عن طريق العزل، حفاظا على حياة الزوجة والجنين:

- السل الرئوي

- الالتهاب الكلوي

- أمراض القلب

- ضعف القوة العقلية

- الاضطرابات النفسية

- القيء الذي يخافه على حياة الحامل

- الترف الرحمي

قال الله عز وجل: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".[36]

ولا يخفى أن العزل وسيلة من وسائل تنظيم النسل الناجحة كما لا يخفى أن ما ذكر كان خاصا بوسائل تنظيم النسل الدائرة حول عدم وصول ماء الرجل إلى رحم المرأة، أما بعد وصوله إلى الرحم فقد توقف على القول بالجواز في المذهب المالكي لكن مع الكرامة.

قال الدرديري في شرح خليل رحمه الله: "ولزوجها – الأمة - العزل إذا أدنت سيدها كالحرة إذا أدنت"، مستدلا بما نصه: "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا".

قال الدسوقي في حاشيته: "وقوله: ولو قبل الأربعين، هو المعتمد وقيل يكره إخراجه قبل الأربعين".

أما إتلاف الحمل بعد حدوثه، وهو ما يسمى في عرف الطب بتحريض الإجهاض: فهو حرام

ولا يصار إليه إلا عند الضرورة القصوى من وجود خطر يهدد حياة الحامل مما سبق لنا ذكره آنفا.[37]

المبحث الثاني: التربية النفسية

المطلب الأول: الغزالي وعلم النفس

نعرف الغزالي فقيها ومتكلما وفيلسوفا، ولكننا لا نعرفه عالما من علماء النفس أو مربيا كبيرا، وفي الحقيقة أن الغزالي هو واضع أسس علم النفس بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، وله في علم النفس كتب مستقلة ككتاب معارج القدس، وله مباحث متفرقة في مختلف كتبه وبخاصة في كتاب إحياء علوم الدين، فكيف كان اهتمام الغزالي بعلم النفس؟

جاء حديث الغزالي عن علم النفس، متناثرا ومقتطفا إما من آيات القرآن الكريم أو من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومباحث الكلاميين والمتصوفة وقد نقلوه، عن مفكري اليونان وخصوصا إثبات وجود النفس كجوهر مستقل عن البدن، ولكن هذا النهج في البحث لم يعجبه لأنه تيار يوناني يختلف عن التيار الإسلامي.

لقد جاء أبو حامد والانحلال قد ظهر في المجتمع الإسلامي، وقد صور هذا الانحلال أبلغ تصوير في المنقذ من الضلال مما دعاه إلى الهرب من عاصمة الخلافة متسائلا: ما علة فساد الناس وما طريق صلاحهم؟ مجيبا: إن فسادهم وصلاحهم بأيديهم إنه قائم إذا شئنا على النظر في النفس الإنسانية وتحليلها، ومعرفة دوافعها وغرائزها وكيفية السمو بها وتعديلها، والسير بها في طريق الصلاح، إن كل من شاء أن يصنع علاجا للمجتمع الإسلامي، لا بد له أن يعرف القوانين النفسية التي يخضع لها السلوك، حتى إذا استبانت هذه القوانين أمكن تعديل السلوك طبقا للأصول العلمية.

أما طريقة الوعظ والإرشاد والنصيحة الكلامية فلا حيز فيها ولا ثمرة لها بغير الإحاطة بهذه الأصول والقوانين.

هذا ما فعله الغزالي في إحياء علوم الدين فلم يتخذ منه منبرا للوعظ وإلقاء النصائح، ولكنه تكلم عن كل ضرب من ضروب السلوك، ضربا ضربا وبحث عن دوافعه الفطرية والمعدلة، ووصف أحوال الفرد حين سلك متأثرا بالبيئة والمجتمع ونزل إلى خضمه فكان يجمد عنه تقاليده: ويبين كيفية السمو بهذا السلوك في ضوء نور اليقين والمعرفة بالله عز وجل.

طبق الغزالي منذ كلامه على كل باب من أبواب علم النفس ثلاث مراحل هي الدوافع ثم الظواهر وأخير التسامي وهو في ذلك لا يخرج عن أي عالم نفس حديث، ولو أن علماء النفس المسلمين بعد القرن الخامس للهجرة بلغوا دون شك ما بلغه علماء العرب في الوقت الحاضر.[38]

اعتنى الغزالي عناية بالغة بدراسة النفس، فلقد فاق اهتمامه بها ما عهد عن المتقدمين عليه، خصوصا وأن معرفة النفس لم تعد مجرد معرفة فطرية ولكنها أصبحت بالإضافة إلى ذلك وسيلة لتعديل السلوك والرقي بالأخلاق والوصول إلى تكامل الشخصية.

ألم الغزالي إلماما واسعا بكل النظريات والمناقشات التي دارت حول النفس سواء ما كان منها من مصدر يوناني أو إسلامي يستمد من القرآن والحديث، أو ما كان يعتمد على دراسات الصوفية وآراء المتكلمين ونظريات الفلاسفة، يضاف إلى ذلك أن أبا حامد الغزالي كان من الأوائل اللذين تصدوا لدراسة النفس موضوعيا وذلك لأنه ميز بين منهجين لدراسة النفس:

- منهج يعتمد على النظر إليها كجوهر روحي.

- منهج خرج عن نطاق الفلسفة والميتافيزيقيا إلى الوضعية والموضوعية؛ وذلك حين يتعرض لنشاط النفس وأحوالها.

إن الغزالي مقلد حين يعرض لدراسة النفس كجوهر ومجدد مبدع حين يدرس النفس في أثناء نشاطها وفعاليتها.[39]

المطلب الثاني: علم النفس في نظر الغزالي

مدخل

نظر الغزالي إلى علم النفس نظرتين مختلفتين:

- الأولى: يكون فيها علم النفس لدراسة كنه النفس وجوهرها وحقيقة وجودها دون الفصل بين النفس وفعلها، بل إنه يلح على الجمع بين أعمال النفس وأعمال الجوارح على اعتبار أنهما يشكلان معا فعالية الإنسان.

- الثانية: يكون فيها علم النفس لدراسة أفعال القلب وصفاته مرتبطا بأعمال الجوارح، وهو علم أحوال النفس، حيث يدرس الإنسان من حيث هو كائن حي يعيش في مجتمع يؤثر فيه ويتأثر به ويحب ويكره ويفكر، والغزالي في دراسته لنشاط النفس لا يقتصر على المظهر الذاتي بل يزيد على ذلك دراسته للمظاهر النفسية على أنها ظاهرة تنبعث عن الإنسان من حيث هو وحدة متكاملة وفعالة.[40]

وبما أن السلوك مظهر تعبير الفرد عن شخصيته لذلك كان مختلفا عن كل فرد آخر فالمؤثر الذي قد يستجيب له إنسان قد لا يستجيب له آخر وكذلك الطريقة التي يستجيب لها المؤثر، لأن إدراك النفس إنما يكون مع صفاتها وهيئتها لا منفصلا عنها ولو تماثلا لأشتبه علينا زيد بعمرو[41]، ومن المعلوم أن لكل علم طريقته الخاصة به إلى جانب بعض الأسس العامة التي تشترك فيها العلوم جميعا، واختلاف طريقة كل علم عن الآخر، يرجع بصورة رئيسية لطبيعة الظواهر المدروسة، فالظواهر الطبيعية مثلا خارجة عن الإنسان ولذلك فإنه يمكن بطريقة الملاحظة الداخلية لأنها تنبع من الإنسان.[42]

فكيف عالج الغزالي دراسة النفس البشرية؟

*الفرع الأول: مصادر دراسة النفس عند الغزالي

لقد كان الغزالي من الأشخاص القلائل الذين استطاعوا أن يلموا بثقافات عصرهم المختلفة ويفيدوا منها فائدة واعية في دراستهم وبحوثهم، ونستطيع أن نرجع مصادر دراسة النفس الإنسانية عند الغزالي إلى نوعين يتمثلان في مختلف الثقافات والنظريات التي يتأثر بها الغزالي في موضوع النفس وهو يعتمد على:

أ‌- القرآن الكريم: سواء في أثناء دراسته للنفس كجوهر أو حينما عرض لها في أثناء نشاطها وهو يحاول أن يلبس الأصول اليونانية في النفس رداء إسلاميا حين يتحدث عن جوهر النفس ومكوناتها.

ب‌- المصدر النصراني: كان أبو حامد الغزالي يستشهد بأقوال المسيح عليه السلام في مناسبات كثيرة وخصوصا في كتاب الإحياء، كما أنه كثيرا ما يردد الحوادث والمحاورات التي كانت تجري بين المسيح وحوارييه.

وقد ألح على مجاهدة النفس ورياضتها فظهر وكأنه يدعوا إلى الرهبنة والعزلة أو يقول بفكرة الخطيئة المسيحية، مما دعا البعض إلى النظر إليه كرجل أخلاق مسيحي، والحقيقة أن الغزالي لم ينصح بالرهبنة وإنما أمر بالتقوى وفرق بينهما ثم إن طريقة المجاهدة التي شرحها الغزالي والتي دعا فيها إلى تصعيد الغرائز وإعلائها لا تتفق تماما مع سبيل الرهبنة التي تنادي بكبت الشهوات والغرائز.

ت‌- المصدر الصوفي: استفاد منه فيما عرض له أثناء إثبات وجود النفس، كيف أن هذا الإثبات حدسي وإلهامي أكثر مما هو عقلي، كما يبدو أثره فيه في قدرته الفدة على تحليل النفس البشرية، والاهتمام بالجانب العلمي من الحياة البشرية النفسية، فقد كان الصوفية علماء نفس وأصحاب صلة بين القديم الذي عرفه الفرس والهنود والمصريون والحديث الذي ابتكره المسلمون.

د- مصدر الغزالي الخاص: ويتمثل في تجارب الغزالي وملاحظاته للآخرين، حيث خص أبو حامد الغزالي بهذا المصدر فئة من العارفين الذين يشاهدون الحق دون حجاب وكشف لهم فيها عن الحقيقة كلها وذكر في هذه الكتب كل ما يتعلق بالنفس كجوهر مجرد وأشار ببراهينه إلى وجودها في صورتين:

- دراسة أحوالها وأفعالها عند مخاطبته للعامة.

- دراستها كجوهر قائم بذاته عند مخاطبته للخاصة.

إن بحوث الغزالي بحسب الصورة الأولى تناولت نشاط النفس لذلك فقد أفرد لها كتابا خاصا هو الإحياء مع الكتب الأخرى التي تلخصه وعلى الرغم من ذلك فقد بقي الغزالي متأثرا بنظرية القوى النفسية التي كان عليها أغلب الفقهاء.

ولكنه يبدوا أكثر ميلا إلى التخلي عنها نحو ما يشبه ما نفهمه من الوظائف النفسية حتى نستعملها كعناوين صالحة لتصنيف الظواهر النفسية المختلفة حين يدخل كل نوع من الظواهر تحت عنوان معين، وقد بدا أن الغزالي تحرر كثيرا من ضغط هذه النظرية في كتاب الإحياء وأخذ يميل إلى دراسة الظواهر أو الحالات النفسية مستقرة، كما أنه لم يعد يتقيد كثيرا بأن يقرر لكل حادثة قوة نفسية تبعث على حدوثها بصورة معينة، وأصبحت نظرته إلى النفس البشرية على أساس تحليلي على أنها مجموعة من الظواهر النفسية، ويتبين ذلك في أكثر بحوث الإحياء كالشهوة والتفكير والغضب والخوف.

أما بحوث النفس بحسب الصورة الثانية فهي تعني أننا لا يمكننا أن نتعرف إلى وجه الحق في هذه المواضيع ما لم تسهم التجليات والأنوار التي تقذف في قلب الإنسان، في التوصل إليها وتبدو على أبي حامد الغزالي في هذا الباب نزعة التقليد ومحاولة التوفيق والتأليف بين مختلف آراء السابقين وإضفاء الثوب الإسلامي على ذلك كله.

*الفرع الثالث: منهج الغزالي في دراسة النفس

- التأمل الباطني

يعد إثبات وجود النفس مثلا من الحقائق التي لا سبيل إليها بطريقة العلم فقط بل لا بد فيه من الفرق الذي يبدو هنا كنوع من الـتأمل الباطني العميق والنفس كما هي تدرك من داخل الإنسان لا من خارجه، وهي من المسائل التي يعاينها الإنسان ويشعر بها عن طريق التجربة الذاتية ثم يتأمل هذه التجربة.

إن عملية مجاهدة النفس ورياضتها ومعرفة عيوبها، إنما تعتمد في الأساس على التأمل الباطني للتعرف على أحوال النفس وشواغلها.

ونستطيع أن نلاحظ أثر اعتماد أبي حامد الغزالي على التأمل في دراسة الظواهر النفسية من فترة العزلة الطويلة التي استمرت أعواما عشرة قضاها متأملا ودارسا كما تظهر من قدرته العظيمة على التحليل، والسبب الرئيسي لذلك هو اعتماد الغزالي على تأمل سلوكه ومقارنته بسلوك الآخرين.

- ملاحظة سلوك الآخرين

كان الغزالي دقيق الملاحظة لسلوك الناس وقد أشار لهذه الطريقة وخصوصا ملاحظته للمنحرفين من الأفراد فكان يقول: "فإني تتبعت الخلق أسأل من يقدر في متباعته الشرع وأسأله عن شبهته وأبحث عقيدته وسره"

وتتبين أهمية هذا المنهج من الأمثلة الكثيرة في الإحياء ومنها أنه حين عرض لعيوب النفس وأشار إلى الطريقة التي تعرف بها، ذكر وسائل متعددة كلها تعود إلى دراسة سلوك الآخرين، ومعرفة هذه العيوب تكون إما عن طريق شيخ يتتلمذ عليه المرء أو صديق ينبهه إليها أو عدوله ينتقده فيها.[43]

إن علماء النفس اليوم يضيفون إلى طريقة التأمل الباطني طريقة ملاحظة سلوك الغير، ولكن بما أنه لا يمكن لأي شخص أن يلاحظ بطريقة مباشرة ما يجري في نفس أي شخص آخر فلا بد أن يلجأ إلى ملاحظة السلوك الظاهري وإلى تفسير هذا السلوك على أساس تجاربه الخاصة إذا لاحظ انبساطها.[44]

في أسارير وجه شخص ما عرف في هذا السلوك الظاهر أنه مسرور وهكذا...

- التحليل النفسي:

كان الغزالي بارعا في تحليل النفس ونشاطها ولا نظن أحدا من القدماء سبقه إلى هذا ويشمل هذا التحليل:

- تحليل السلوك الإنساني الفردي

- تحليل الوظائف النفسية

وفي "الإحياء" أمثلة كثيرة عن هذا الأسلوب مطبقا على كلا النوعين ومن هذه المعاني تفصيله للمعاني الباطنية أثناء الصلاة التي تتمثل في حضور القلب والفهم والتعظيم والهيبة والرجاء

ثم ذكر الدواء النفسي الناجح في تحقيق هذه المعاني من حضور للقلب ودفع للخواطر.

ومنها تمييزه بين أنواع الخواطر المختلقة، وتفصيل خواطر الرياء وكيف تدفع ويمكن التغلب عليها، وتفصيله لصراع بواعث الشهوات مع بواعث المثل العليا وكيف أنها قد تتساوى في القوة وقد تختلف في الوسيلة وشرح كيف يتغلب أحدها على الآخر.

المبحث الثالث: التربية التعليمية

المطلب الأول: الإدراك العقلي في التعلم

لا بد للإدراك العقلي من قاعدة يرتكز عليها وتبدو هذه القاعدة لدى الغزالي في أمرين مهمين هما:

- الاستعداد الفطري للتعلم

بالاستعداد يتميز الإنسان من الحيوان ويصل إلى الإدراك التام للمعقولات والكليات والحقائق النظرية، ويؤكد الغزالي على اختلاف الناس في استعماله واستثماره وهذا ما يجعل بينهم اختلافا شديدا يميزهم عن بعض ثم إن البيئة الطيبة لها الأثر الكبير فيه وإن كان فطريا.

فإذا لم يعني به ولم يهذب فإنه يشرف على الانعدام كما تشرف العين على العمى، كما أنه يقوى وينمو بإزالة العراقيل من طريقه.

- التحصيل المادي في التعلم

إن المبادئ أو المعقولات الأولى لا بد منها لعمل العقل وحركته ولاكتساب المعقولات الثانية ومن أمثلتها: "الكل أكبر من الجزء والمقدرات المساويات لثالث" وهكذا تبدأ هذه المبادئ بالظهور عند الطفل كاستعداد فطري منذ بدء سن التمييز أي المراهقة، ولا يدري الإنسان كيف حصلت ولا من أي طريق حصلت، يصدق بها بلا تعلم أو اكتساب إن هذه المرحلة ضرورية وأساسية عملية عقلية، مهما صغرت بحيث تظهر أهميتها بصورة خاصة في مرحلة الاكتساب أو التعلم.[45]

المطلب الثاني: مناداة الغزالي بالتعليم التربوي للصغار

راعى أبو حامد الغزالي الفروق الفردية وقد كان يقول: إن المتعلم القاصر ينبغي أن يلقي إليه الجلي اللائق به، ولا يذكر له أن وراء هذا تدقيقا، وهو يدخره عنه، فإن ذلك يفتر رغبته في الجلي ويشوش عليه ميله.

وأشار إلى أهمية المحاكاة عند الأطفال قائلا: "اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة، ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوئه ليحفظه حفظا لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئا فشيئا فابتداءه الحفظ ثم الفهم ثم الاعتقاد والإتقان والتصديق، وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان، فكيف يذكر ذلك وجميع عقائد العوام مبادئها التلقين المجرد والتقليد".

لقد نصح المعلم موضحا له أثر التقليد على الطفل قائلا: "ومن دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريقة التحريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريقة الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهبة".[46]

لقد أعطى الغزالي للمعلم منهجا ناجحا لإنجاح عملية التعليم على شكل نصائح منها:

- إن أول ما نصح به الغزالي كان: "الشفقة على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه".

بحيث يجب على المعلم أن يبدأ في تدريسه بالجلي البسيط، وينتهي إلى ما هو أكثر فمن شاء التعمق، إن لم يتأهب له الطلاب أن يشوش أدهانهم، ويفسد عليهم الفهم، وعليه أن يسير بالطلاب في البدء برأي واحد، هو الرأي الرشيد الذي يؤمن به المعلم، حتى إذا أتقن الطلاب هذا الأمر، فلا بأس حين إذن بإلقاء نظرة على سائر الآراء والمذاهب المضادة، كما يجب عليه ألا يدع من نصح المتعلم شيئا وذلك بأن يمنعه من الجلي.

وعليه أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغ عقله إليه فينفرد عن زملائه أو يخبط عليه عقله.1

كما عليه أن يسير بالطلاب من المعرفة السهلة إلى الصعبة لأن المعارف على درجات مختلفة من الصعوبة كما أن بعضها طريق لفهم البعض الآخر.

أما آخر نصيحة للمعلم فقد كانت: "أن يكون المعلم عاملا بعمله، فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر، والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر".[47]

*الفصل الثالث: من قواعد المنهج التربوي عند أبي حامد الغزالي من خلال رسائله

المبحث الأول: التربية العقدية

المطلب الأول: الاعتقاد والتمسك بعقيدة صحيحة

*الفرع الأول: الإيمان بوجود الله عز وجل

لقد أمر الله تعالى كافة عباده بمعرفته أي بالإيمان به، والتصديق بوجوده أولا، وبتقديسه عن سمات الحوادث ومشابهة غيره، ثانيا وبوحدانيته ثالثا وبصفاته من العلم والقدرة ونفوذ المشيئة رابعا.

كما يجب على العامي أن يصدق الرسول في كل ما جاء به، فهذه الأمور ليست ضرورية لأنها مطلوبة وكل علم مطلوب لا سبيل إلى اقتناصه وتحصيله إلا بشبكة الأدلة والنظر فيها والتفطن لوجه دلالتها على المطلوب وذلك لا يتاح إلا بمعرفة شروط وبراهين وكيفية ترتيب المقدمات واستنتاج علم الكلام إلى آخر النظر في المعقولات.

وصدق الرسول ليس بضروري بل هو بشر كسائر الخلق، فلا بد من دليل يميزه عن غيره ممن تحدى بالنبوة كاذبا، ولا يمكن ذلك إلا بالنظر في المعجزة ومعرفة حقيقتها وشروطها إلى آخر النظر في النبوات وهو لب علم الكلام، وهذا الحل وقوفا عند قول القائل: "العامي إذا منع من البحث والنظر لم يعرف الدليل ومن لم يعرف الدليل كان جاهلا بالمدلول".[48]

قلنا الواجب على الخلق الإيمان بهذه الأمور والإيمان عن تصديق جازم لا تردد فيه، ولا يشعر صاحبه بإمكان وقوع الخطأ فيه وهذا التصديق لا يحمل إلا على مراتب هي:

- الأولى: أقصاها ما لا يحصل إلا بالبرهان المستقصى المستوفي شروطه المحرر أصوله ومقدماته درجة درجة وكلمة كلمة حتى لا يبقى مجال احتمال وتمكن التباس وذلك هو الغاية القصوى، وربما يتفق ذلك في كل عصر لواحد أو اثنين ممن ينتهي إلى تلك الرتبة، وقد يخلوا العصر عنه ولو كانت النجاة مقصورة على مثل تلك المعرفة لقلت النجاة وقل الناجحون.

الثانية: أن يحصل بالأدلة الوهمية الكلامية المبنية على أمور مسلمة مصدق بها لإشهارها بين أكابر العلماء، وشناعة إنكارها ونفرت النفوس عن إبداء المرء فيها، وهذا الجنس أيضا يفيد في بعض الأمور، وفي حق بعض الناس تصديقا جازما، بحيث لا يشعر صاحبه بإمكان خلافه أصلا.

الثالثة: أن يحصل التصديق بالأدلة الخطابية، أي بالقدرة التي جرت العادة باستعمالها في المحاورات والمخاطبات الجارية في العادات وذلك يفيد في حق الأكثرين تصديقا في بادئ الراي وسابق الفهم إن لم يكن الباطن، مشحونا بالتعصب، وبرسوخ الاعتقاد على خلاف مقتضى الدليل، ولم يكن المستمع مشغوفا بتكلف المماراة والتشكك ومعروفا بتصديق المجادلين في العقائد، وأكثر أدلة القرآن من هذا الجنس.

فمن الدليل الظاهر المقيد للتصديق لا ينتظم تدبير المنزل بمدبرين مصداقا لقوله تعالى: " فلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا".[49]

فكل قلب باق على الفطرة غير مشوش بمهارة المجادلين يسبق من هذا الدليل إلى فهمه تصديق جازم بوحدانية الخالق.

الرابعة: التصديق لمجرد السماع فإن حسن الاعتقاد بسبب كثرة ثناء الخلق عليه فإن من حسن اعتقاده في أبيه وأستاذه أو في رجل من الأفاضل المشهورين قد يخبره عن شيء كموت شخص أو قدوم غائب أو غيره فيسبق إليه اعتقاد جازم وتصديق بما أخبره عنه بحيث لا يبقى لغيره مجال في قلبه ومستند حسن اعتقاده فيه؛ فالمجرب بالصدق والورع والتقوى مثل الصديق رضي الله عنه إذا قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فكم من مصدق به جزما وقابل له قبولا مطلقا لا مستند لقوله إلا حسن اعتقاده فيه، فمثله إذا لقي العاصي اعتقادا وقال له: اعلم أن خالق العالم واحد وأنه عالم قادر وأنه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا بإدراك التصديق ولم يمازجه ريب ولا شك في قوله وكذلك اعتقاد الصبيان في آبائهم ومعلميهم فلا جرم يسمعون الاعتقادات ويصدقون بها ويستمرون عليها من غير حاجة إلى دليل.[50]

الخامسة: التصديق الذي يسبق إليه القلب عند سماع الشيء مع قرائن أحوال لا تفيد القطع عند المخفق، ولكن يلقن في قلب العوام اعتقادا جازما، كما إذا سمع بالتواتر مرض رئيس البلد ثم ارتفع صراخ وعويل من داره، ثم يسمع من أحد غلمانه أنه قد مات اعتقد العامي جزما أنه مات وبنى عليه تدبيره و لا يخطر بباله أن الغلام ربما قال ذلك عن إرجاف سمعه وأن الصراخ والعويل لعله عن غشية أو شدة مرض أو سبب آخر.

لكن هذه خواطر بعيدة لا تخطر للعوام فتنطبع في قلوبهم الاعتقادات الجازمة وكم من أعرابي نظر إلى أسارير وجه رسول الله صلى الله علية وسلم وإلى حسن كلامه ولطف شمائله وأخلاقه آمن به وصدقه جزما لم يخالجه ريب من غير أن يعالجه بمعجزة يقيمها ويذكر وجه دلالتها.

السادسة: أن يسمع العامي القول فيناسب طبعه وأخلاقه، فيبادر إلى التصديق لمجرد موافقته لطبعه لا من حسن اعتقاد في قائله ولا من قرينة تشهد له لكن لمناسبة ما في طباعه فالحريص على موت عدوه وقتله وعزله يصدق جميع ذلك بأدنى إرجاف ويستمر على اعتقاده جازما ولو أخبر بذلك في حق صديقه أو بشيء يخالف شهوته وهواه توقف عنه أو أباه، وهذه أضعف التصديقات وأدنى الدرجات لأن ما قبله استند إلى دليل ما وإن كان ضعيفا من قرينة أو حسن اعتقاد في المخبر أو نوع من ذلك وهي إمارات يظنها العامي أدلة فتعمل في حقه عمل الأدلة.[51]

* الفرع الثاني: الإيمان بوحدانية الله عز وجل

قال بعض الكبار: العلم (و معناه الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع) نور إذا أنزل في القلب ينفذ القلب شعاعه إلى حيث المعلوم ويتعلق به كما يتعلق نور العين بالمرئي، والاعتقاد(ومعناه اتخاذ عقد صورة علم أو ظن في القلب بوجود المغيبات) الصحيح هو الخالي عن التعطيل والإلحاد والتشبيه والتجسيم والتكيف والنقض والحلول والاتحاد والإباحة وغير ذلك، وأن يكون معه التنزيه والعظمة والكبرياء كما كانت الصحابة رضي الله عنهم، ودليله الكتاب والسنة واجتماع الأمة، ثم قال أبو حامد: "على العبد أن يعلم أن الله واحد أحد فرد صمد في ذاته وصفاته، لا مثيل له في ذاته ولا نظير له في صفاته ولا شريك له في ملكه، ولا حدوث في صفاته ولا زوال ولا بداية لقدمه ولا نهاية لبقائه، دائم الوجود ولا آخر له قيوم الموجودات لا انقطاع له، لم يزل ولا يزال موصوفا بصفات الجلال والجمال ولا نهاية لكبريائه ولا نهاية لعظمته وجلاله".[52]

"ليس بجسم ولا جسماني، ولا بروح ولا روحاني، ولا بجوهر محدود، ولا تحده الجواهر بل هو خالق الأشياء أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، منزه عن الحركة والانتقال والجهة والمكان وأنه تعالى قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، قربه من الخلق ليس كقرب الخلق بعضهم من بعض، بل هو قرب يليق به تعالى".

سئل الجنيد قدس الله روحه عن القرب فقال: "قريب لا بالتزاق وبعيد لا بافتراق ولا كيفية لقربه ومعيته كما أنه ليس كمثله شيء، لذلك قربه ومعيته ليس كمعية أو قرب وأنه تعالى كان ولم يكن معه شيء وهو الآن على ما هو عليه".[53]

لقد تحدث أبو حامد الغزالي عن التوحيد فوصفه قائلا: "التوحيد في البداية نفي التفرقة والوقوف على الجمع، وأما في النهاية فيمكن أن يكون الموحد حال التفرقة مستغرقا في عين الجمع، وفي عين الجمع بعين الجمع ناظرا إلى التفرقة بحيث كل واحد من الجمع والتفرقة لا يمنع من الآخر وهذا هو كمال التوحيد وذلك بأن يصير حال التوحيد وصفا لازما لذات الموحد، وتتلاشى وتضمحل ظلمة رسوم وجوده في غلبة إشراق الأنوار ونور علم توحيده يستتر ويندرج في نور حال على مثال اندراج الكواكب في نور الشمس".

كما بين أبو حامد أنواع التوحيد محددا إياها في خمسة هي:

- وجود البارئ تعالى ليبرأ به من التعطيل.

- وحدانيته تعالى ليبرأ من الشرك.

- تنزيهه تعالى عن كونه جوهرا أو عرضا وعن لوازم كل منهما ليبرأ من التشبيه.

- إبداعه تعالى بقدرته واختياره لكل ما سواه ليبرأ عن القول بالعلة والمعلول.

- تدبيره تعالى بجميع مبتدعاته ليبرأ به عن تدبير الطبائع والكواكب والملائكة، وقول: "لا إله إلا الله"، يدل على الخمس".[54]

المطلب الثاني: دلائل وجوده تعالى

*الفرع الأول: التفكر في خلق السماء

قال تعالى: "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج" .[55]

وقال عز وجل: " الله الذي خلق سبع سموات".[56]

إن على الإنسان تأمل العالم بفكره ليرى حقيقة هذا الكون فيجعله كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه، فيجد السماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبسط، والنجوم مبسوطة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر وكل شيء من ذلك معدا ومهيئا لشأنه والإنسان كمالك للبيت المخلوق لما فيه، وضروب النباتات لما خلقت له، وأصناف الحيوانات مصروفة في مصالحه...

فخلق سبحانه السماء وجعل لونها أشد الألوان موافقة للأبصار وتقوية لها، ولو كانت أشعة وأنوارا لما حجب الناظر النظر إليها.

فإن النظر إلى الخضرة والزرقة موافقة للأبصار، وتجد النفوس عند رؤية السماء في سعتها نعيما وراحة لا سيما إذا انفطرت نجومها وظهر نور قمرها، والملوك تجعل في سقوف مجالسها من النقش والزينة ما يجد به الناظر راحة وانشراحا، لكن إذا داوم الناظر النظر إليها وكرره وزال به ما كان يجده برؤيته من البهجة والانشراح بخلاف النظر إلى السماء وزينتها، فإن الناظر إليها من الملوك فمن دونهم إذا ضجروا والأسباب المضجرة لهم عديدة، يلجؤون إلى ما يشرحهم من النظر إلى السماء وسعة الفضاء.[57]

*الفرع الثاني: التفكر في خلق الأرض

قال تعالى: "والأرض فرشناها فنعم الماهدون"[58]

لقد أكد أبو حامد الغزالي على ضرورة التدبر في حقيقة خلق الأرض حيث جعلها الله عز وجل مهادا ليستقر عليها الحيوان لأنه لا بد له من مستقر ولا غنى له عن قوت.

فالأرض جميعها محل لنبات قوته، ومسكن يسكنه يقيه حر الصيف وبرد الشتاء ومدفن تدفن فيه ما تؤدي رائحته من الجيف والأقذار من أجسام بني آدم وغيرها.

قال عز وجل: "ألم نجعل الأرض كفانا، أحياء و أمواتا".[59]

وقد فسر الآية: "والأرض فرشناها فنعم الماهدون": بأن الله عز وجل طرق الأرض وبسطها لينتقل فيها الخلق لطلب مآربهم، فهي موضوعة لبقاء النسل من جميع أصناف الحيوانات والحرث والنبات.[60]

كما نبه على ذلك سبحانه وتعالى بقوله: "أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها، متاعا لكم ولأنعامكم".[61]

فأمكن الخلائق بهذا السفر فيها لقضاء حوائجهم والجلوس لراحتهم والنوم لهدوئهم، والانتقال لأعمالهم فإن الأرض لو كانت رجاجة متحركة لم يستطيعوا أن يتقنوا شيئا من الصناعات، وما كانوا ليتهنوا بالعيش والأرض ترتج بهم، وقد اعتبر هذا بما يصيب الناس في الزلزال ترهيبا للخلق وتخويفا لهم، لعلهم يتقون الله وينزعون عن الظلم والعصيان.

ثم إن الله عز وجل طبع الأرض بإرادة يابسة بقدر مخصوص، فلو أفرط اليبس عليها حتى تكون بجملتها حجرا صلبا لما كانت لتنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوانات، وما كان ليكون فيها حرث ولا بناء فجعل لينها، لتتهيأ لهذه الأعمال.

ومن الحكمة في خلق الأرض ووضعها أن جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لينحدر الماء على وجه الأرض فيسقيها ويرويها ثم يصير إلى البحر في آخر الأمر، فأشبه ذلك ما إذا رفع أحد جانبي السطح وخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولولا ذلك لبقي الماء مستبحرا على وجه الأرض فيمتنع الناس من أعمالهم وتنقطع الطرق والمسالك بسبب ذلك.[62]

فلينظر إلى ما خلق الله فيها من المعادن وما يخرج منها من أنواع الجواهر المختلفة في منافعها وألوانها مثل الذهب والفضة والياقوت والزمرد والبنفسج وأشياء كثيرة من هذه الأحجار الشفافة المختلفة في ألوانها، وأنواعها آخر مما يصلح للأعمال والجمال كالحديد والنحاس والقصدير والرصاص والكبريت والزريخ والتوتيا والرخام والجبس والنفط وأنواع لو عددت لطال ذكرها وهو مما لا ينتفع به الناس وينصرف فيما يصلحهم، فهذه نعم يسرها سبحانه وتعالى لهم لعمارة هذه الدار.

ولننظر إلى إدارة إيجادها هشة سهلة ليعمرها الإنسان وينتفع بها العباد بخلاف ما لو كانت على نحو خلق الجبال فلو يبست لتعذرت الاستفادة منها، فإن الحرث لا يستقيم إلا مع رخو الأرض لزراعة الأقوات والثمر، وإلا فيتعدى الماء إلى الحب إذا صلبت، مع أن الحب لا يمكن دفنه إلا بعد أن تلين الأرض بالنداوة ويأخذ الورق وهي ضعيفة في ابتدائها في الأرض ويمكن إذ ذلك عملها وتحريكها حتى تشرب ما ينزل عليها من الماء فيخلق الله سبحانه وتعالى عند ذلك العروق ملتبسة بالثرى حتى يقف الشجر والنبات على ساقه، وجعل ما يخلق من العروق يوازن ما يخلق من الفروع، ومن رحمته في لينها أن يسر للناس حفر الآبار في المواضع المحتاجة إلى ذلك إذ لو حفرت في الجبال لصعب الأمر وشق، ومن الحكمة في لينها تيسير السير للسعادة فيها، إذ لو صلبت لعسر السير ولم تظهر الطرق، وقد نبه الله تبارك وتعالى على ذلك بقوله: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها".[63]

وقال عز من قائل: "وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون".[64]

ومن ذلك ما يستعين به العباد من ترابها ولينها في البناء وعمل اللبن وأواني الفخار وغير ذلك والمواضع التي ينبت فيها الملح والشب والورق والكبريت أكثرها تربة رخوة.[65]

*الفرع الثالث: التدبر في خلق الماء

قال تعالى: " وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون".[66]

وقال سبحانه: " فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، أإله مع الله بل هم قوم يعدلون".[67]

لقد من الله عز وجل على عباده بوجود الماء العذب الذي به حياة كل من على وجه الأرض من حيوان ونبات، فلو اضطر الإنسان إلى شربه منه ومنع منها، لهان عليه أن يبذل فيها جميع ما يمكنه من خزائن الدنيا والعجب من غفلة العباد عن هذه النعمة العظيمة ومع شدة العباد لحاجتها وسع فيها، فلو جعلها بقدر لضاق الأمر وعظم الحرج على كل من سكن الدنيا، والماء ينزل من الأرض بلطافة ورقة ويخلخل أجزاءها فتتغذى عروق الشجر ويصعد بلطافة بواسطة حرارة الشمس إلى أعالي الشجر والنبات وهو من طبعه الهبوط، ولما كانت تدعو الضرورة لشربه، لإماعة الأغذية في أجواف الحيوان ليتصرف الغذاء إلى موضعه، جعل لشاربه في شربه لذة عند حاجته إليه وقبوله له فوجد شاربه فيه نعيما وراحة.[68]

وجعله مزيلا للأدران عن الأبدان والأوساخ عن الثياب وغيرها، وبالماء يبل التراب فيصلح للبناء، وبه يرطب كل يابس مما لا يمكن استعماله يابسا، وبه ترق الأشربة فيسوغ شربها وبه تطفأ عاذبة (وهو الذي ليس بينه وبين السماء ستر ، والعاذبة كذلك) وأشرف الناس منها على ما يكرهون وبه تزول الغصة إذا أشرف صاحبها على الموت وبه يغتسل تعب الكل فتستحب الراحة لوقته، وبه تستقيم المطبوخات وجميع الأشياء التي لا تستعمل ولا تصلح إلا رطبة إلى غير ذلك من مآرب العباد التي لا غنى لهم عنها، فلننظر في عموم هذه النعمة وسهولة تناولها مع الغفلة عن قدرها مع شدة الحاجة إليها، فلو ضاقت لكدرت الحياة في الدنيا بما فيها من حيوان ونبات ومعدن إلى غير ذلك من المنافع التي يقصر عنها الوصف لمن يروم حصرها، فسبحان المتفضل العظيم.[69]

*الفرع الرابع: التدبر في خلق الإنسان

مدخل:

شرف الباري سبحانه وتعالى هذا الآدمي وكرمه، فقال عز وعلى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".[70]

فكان من أعظم ما شرفه به وكرمه العقل الذي تنبه به على البهجة وألحق بسببه بعالم الملائكة، حتى تأهل به لمعرفة بارئه ومبدعه بالنظر في مخلوقاته واستدلالا له على معرفة صفاته بما أودعه في نفسه من حكمة وأمانة قال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".[71]

فكان نظره في نفسه، وفيما أودع الباري سبحانه فيه من العقل الذي يقطع بوجوده فيه ويعجز عن وصفه من أعظم الدلالات عنده على وجود بارئه ومدبره وخالقه ومصوره، فإنه ينظر في العقل كيف فيه التدبير وفنون العلم، ومستمر المعرفة وبصائر الحكمة و التمييز بين النفع والضرر، وهو مع القطع بوجوده لا يرى له شخصا، ولا يسمع له حسا، ولا يحس له مجسا، ولا يشم له ريحا، ولا يدرك له صورة ولا طعما...

وهو مع ذلك آمر ومطاع وراج ومفكر ومشاهد للغيوب ومتوهم للأمور، اتسع له ما ضاق عن الأبصار ووسع له ما ضاقت عنه الأوعية يؤمن بما غيبته حجب الله سبحانه ما بين سمواته وما فوقها وأرضه وما تحتها، حتى أنه شاهد أبين من رأى العين فهو موضع الحكمة ومعدن العلم كلما ازداد علما ازداد سعة وقوة.

يأمر الجوارح بالتحرك فلا يكاد أن يميز بين الهمة بالحركة، وبين التحرك بسرعة الطاعة أيهما أسبق، وإن كانت الهمة قبل وهو مع تدبيره وعلمه وحكمته عاجز عن معرفة نفسه، إذ لا يمكنه أن يصف نفسه بنفسه بصفة وهيئة أكثر من الإقرار بأنه مسلم للذي وصفه للعلم به، ومقر بالجهل بنفسه وهو مع جهله بنفسه عالم حكيم يميز بين لطائف التدبير، ويفرق بين دقائق الصنع، وتجري الأمور على اختلافها؛ فدل جهله بنفسه وعلمه بما يدبره ويميز أنه مركب مصنوع مصور مدبر مقهور، لأنه مع حكمته واتقاد بصيرته عاجز مهين يريد أن يذكر الشيء فينساه، يريد أن ينساه فيذكره، ويريد أن يسر فيحزن، وأن ينتبه ويتيقظ فيسهو، وهذه دلالة على أنه مغلوب مقهور وهو مع ما علم جاهل بحقائقه، ومع ما دبر، لا يدري كم مدى مبلغ صوته ولا كيف خروجه واتساق حروف كلامه.

ولا كم مدى مبلغ نظره فاستدل بعلمه وجسده عن حقيقة ما علم أنه مصنوع بصنعة متقنة وحكمة بالغة تدل على الصانع الخالق المريد العليم، ثم إن الله عز وجل خلق في الإنسان الهوى موافقا لطباعه فإن استعمل نور العقل فيما أمر به ورد مورد السلامة، وفاز غدا بدار الكرامة وان استعمله في أغراض نفسه وهواها، حجب عن معرفة أمور لا يدركها غيره مع ما هو متوقع له في الدار الآخرة من الثواب والحجاب والعقاب، وهو الآلة في عمل الصنائع وتقديرها على نحو ما قدرها ودبره في دهنه وتخيله واستنباط ما يستنبط بدقيق الفكر ومعرفة مكارم الأخلاق الموجودة في كل أمة وزمان.

1- تكوين الإنسان: قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين".[72]

لما خلق الله عز وجل الخلق وبثهم في هذه الدار ليبلوهم ويختبرهم فيها خلقهم متناسلين بعضهم من بعض، فخلق سبحانه الذكر والأنثى وألقى في قلوبهم المحبة والدواعي حتى عجزوا عن الصبر وعدموا الحيلة في اجتناب الشهوة المفطورة في خلقهم إلى الاجتماع، وجعل الفكرة تحرك عضوا مخصوصا به إلى إبداع الماء في القرار المكين الذي يخلق فيه الجنين فاجتمعت فيه النطفة من سائر البدن وخرجت ماء دافقا مندفعا من بين الصلب والترائب بحركة مخصوصة، فانتقلت بسبب الإخلاج من باطن إلى باطن، فكانت مع انتقالها باقية على أصلها، لأنها ماء مهين أدنى شيء يباشرها يفسدها ويغير مزاجها، فهي ماء يختلط جميعه مستوية أجزاءه لا تفاوت فيها، فخلق سبحانه الذكر والأنثى بعد نقلها من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام، ثم كساها اللحم وشدها بالأعصاب والأوتار ونسخها بالعروق وخلق الأعضاء وركبها، فدور سبحانه الرأس وشق فيها السمع والبصر والأنف والفم وسائر المنافذ.

- العين:

لقد جعل الله العين للبصر وإنه لمن العجائب سر كونها مبصرة للأشياء وهو أمر يعجز عن شرح سره، وركبها من سبع طبقات لكل طبقة صفة وهيئة مخصوصة بها، فلو فقدت طبقة منها أو زالت لتعطلت عن الأبصار، ولتنظر إلى هيئة الأشفار التي تحيط بها وما خلق فيها من سرعة الحركة لتقي العين مما يصل إليها مما يؤذيها من غبار وغيره، فكانت الأشفار جمال العين والوجه وجعل شعرها على قدر لا يزيد زيادة تضر بالعين ولا تنقص نقصا يضر بها، وخلق في مائها ملوحة لتقطيع ما يقع فيها، وجعل طرفيها منخفضين عن وسطهما قليلا لينصرف ما يقع في العين لأحد الجانبين.[73]

- الفم واللسان

جعل الخالق عز وجل الشفتين سترا للفم كأنهما باب يغلق وقت ارتفاع الحاجة إلى فتحه، وهو ستر على اللثة والأسنان مفيد للجمال، فلولاهما لتشوهت الخلقة وهما معينان على الكلام، واللسان للنطق والتعبير عما في ضمير الإنسان وتقليب الطعام وإلقائه تحت الأضراس حتى يسعكم مضغه، ويسهل ابتلاعه، ثم جعل الأسنان أعدادا متفرقة عظما واحدا فجمع فيها بين النفع والجمال، وجعل منها معكوسا زائد الشعب حتى تطول مدته مع الصف الذي تحته، وجعلها صلبة ليس كعظام البدن لدعاء الحاجة إليها على الدوام، وفي الأضراس كبر وتسريف لأجل الحاجة إلى درس الغذاء فإن المضغ هو الهضم الأول، وجعلت الثنايا والأنياب لتقطيع الطعام وجمالا للفم فأحكم أصولها، وحدد ضروسها، وبيض لونها مع حمرة ما حولها، متساوية الرؤوس متناسبة التركيب، كأنها الدر المنظوم، ثم لننظر كيف خلق في الفم نداوة محبوسة لا تظهر إلا في وقت الحاجة، فلو ظهرت وسالت قبل ذلك لكان تشويها للإنسان، فجعلت ليبل بها ما يمضغ من الطعام حتى يسهل تسويغه من غير عنت ولا ألم.[74]

- العظام

من نطفة مهينة خلق عز وجل عظام جسد الإنسان فجعلها أجساما قوية صلبة لتكون قواما للبدن وعمادا له، وقدرها تبارك وتعلى بمقادير مختلفة وأشكال متناسبة، فمنها صغير وطويل ومستدير ومجوف ومصمت عريض ودقيق، ثم أودع في أنابيب هذه العظام المخ الرقيق مصونا لمصلحتها وتقويتها ولما كان الإنسان محتاجا إلى جملة جسمه، وبعض أعضائه لتردده في حاجته، لم يجعل البارئ عز وجل عظامه عظما واحدا بل عظاما كثيرة وبينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة فقد شكل كل واحد منها على قدر وفق الحركة المطلوبة بها، ثم وصل مفاصلها وربط بعضها ببعض بأوتاد أثبتها بأحد طرفي العظم وألصق الطرف الآخر كالرباط، ثم خلق في أحد طرفي العظم زوائد خارجة منها، ومن الآخر نقرا غائضة فيها توافق لأشكال الزوائد لتدخل فيها وتنطبق، فصار الإنسان إذا أراد أن يحرك شيئا من جسده دون غيره لم يمتنع عليه فلولا حكمة المفاصل لتعذر عليه ذلك وخير دليل على عظمة الخالق عز وجل خلقه الرأس مركبا من خمسة وخمسين عظما مختلفة الأشكال والصور وألف بعضها إلى بعض حيث استوت كرة الرأس كما نرى.

فمنها ستة تختص بالقحف وأربعة وعشرون للحي الأعلى، واثنان للحي الأسفل، والبقية من الأسنان بعضها عريض يصلح للطحن وبعضها حاد يصلح للقطع، ثم جعل الرقبة مركز الرأس فركبها من سبع خرزات مجوفات مستديرات وزيادة ونقصان لينطبق بعضها على بعض ويطول ذكر الحكمة فيها، ثم ركب الرقبة من أسفلها إلى منتهى عظم العجز من أربعة وعشرين خرزة، وعظم العجز ثلاثة أخرى مختلفة ووصل به من أسفله عظم العصعص وهو مؤلف من ثلاثة أخرى، ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر وعظام الكتف وعظام اليدين وعظام العانة وعظام الفخذين والساقين وأصابع الرجلين؛ فجملة عدد العظام في بدن الإنسان مائتان وثمانية وأربعون عظما سوى العظام الصغيرة التي حشا بها خلل المفاصل.

وصفوة القول: إن المقصود من ذكر أعداد العظام هو تعظيم مدبرها وخالقها: كيف خلقها وخالف بين أشكالها وخصها بهذا القدر المخصوص بحيث لو زيد فيها واحد فقط لكان وبالا واحتاج الإنسان إلى قلعه ولو نقص منها واحد لا احتاج الإنسان إلى حيرة؛ فجعل سبحانه وتعالى في هذا الخلق عبرة لأولي الأبصار، وآية بينة على عظمته وجلاله بتقديرها وتصويرها لقد كان من بليغ الحكمة وحسن التدبير أن خلق الله عز وجل الكون على مقادير رحمة منه بعباده ورفقا بخلقه، فإذا صنع الله تعالى هذا كله من قطرة ماء، فما ضننا بصنعته في ملكوت السماوات والأرض وشمسها وقمرها وكواكبها وما حكمته في أقدارها وأشكالها وأعدادها وأوضاعها واجتماع بعضها وافتراق بعضها، واختلاف صورها، وتفاوت مشارقها ومغاربها، إن الكون مشتمل على عجائب وحكم لا يحيط بجميعها إلى الله سبحانه وتعالى.[75]

المبحث الثاني: التربية الروحية

المطلب الأول: الأدب

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".

الأدب تأديب الظاهر والباطن، فإذا تهذب ظاهر العبد وباطنه صار صوفيا أديبا، ومن ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه والـتأدب بآدابه قولا وفعلا وعقدا ونية، والإنصاف فيما بين الله تعالى وبين العبد في ثلاثة:

في الاستعانة والجهد والأدب فمن العبد الاستعانة، ومن الله الإعانة على التوبة ومن العبد الجهد والأدب، ومن الله التوفيق ومن العبد الأدب ومن الله الكرامة، ومن تأدب بآداب الصالحين فإنه يصلح لبساط الكرامة وبآداب الأنبياء لبساط القرب وبآداب الصديقين لبساط المشاهدة، وبآداب الأنبياء لبساط الأنس والانبساط ومن حرم الأدب حرم جوامع الخيرات، ومن لم ترضه أوامر المشايخ وتأديباتهم، فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة، ومن لم يقم بآداب أهل البداية كيف يستقيم له دعوى مقامات أهل النهاية، ومن لم يعرف الله عز وجل لم يقبل عليه، ومن لم يتأدب بأمره ونهيه كان عن الأدب في عزلة.

وقيل ثلاث خصال ليس معهن غربة، مجانبة أهل الريب، وحسن الأدب وكف الأذى وأهل الدين أكثر آدابهم في تهذيب النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود، وترك الشهوات وأهل الخصوصية أكثر آدابهم في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت، وقلة الالتفات إلى الخواطر وحسن الأدب في مواقف الطلب، وإدمان الحضور ومن قهر نفسه بالأدب فهو الذي يعبد الله بإخلاص.

وقيل هو معرفة اليقين وقيل: يقول الحق سبحانه: من ألزمته القيام مع أسمائي وصفاتي ألزمته الأدب، ومن أراد الكشف عن حقيقة ذاتي، ألزمته العطب فاختر أيهما شئت الأدب أو العطب، ومن لم يتأدب للوقت فوقته مقته، وإذا خرج المريد عن استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء.[76]

المطلب الثاني: السلوك والتصوف

*الفرع الأول: السلوك

السلوك تهذيب الأخلاق والأعمال والمعارف وذلك اشتغال بعمارة الظاهر والباطن والعبد في كل ذلك مشغول عن ربه إلا أنه مشتغل بتصفية باطنه ليستعد للوصول وما يفسد على السالك سلوكه شيئان هما:

- إتباع الرخصة بالتأويلات

- الاقتداء بأهل الغلط من متبعي الشهوات

ومن ضيع حكم وقته فهو جاهل، ومن قصر فيه غافل ومن أهمله فهو عاجز لا تصح إرادة المريد حتى يكون الله ورسوله وسواس قلبه، ويكون نهاره صائما ولسانه صامتا، لأن كثرة الطعام والكلام والمنام تقصي القلب وظهره راكعا وجبهته ساجدة وعينه دامعة وغامضة، وقلبه حزينا ولسانه ذاكرا.

وبالجملة: قد شغل كل عضو فيه بوظيفة ندبه الله ورسوله إليه وترك ما كره الله ورسوله له، وللورع معانقا ولأهوائه تاركا مطلقا ورائيا جميع ما وفقه الله تعالى له من فضله عليه ويجتهد أن يكون ذلك كله احتسابا بالأثواب وعبادة لا عادة؛ لأنه من لاحظ المعمول له اشتغل به عن رؤية الأعمال ونفسه تاركة للشهوات، فصحة الإرادة ترك الاختيار والسكون إلى مجاري الأقدار.[77]

*الفرع الثاني: التصوف

1- معنى التصوف: شيئان في الصدق مع الله تعالى وحسن المعاملة مع الناس؛ فكل من صدق مع الله وأحسن معاملة الخلق فهو صوفي. والصدق مع الله تعالى هو أن يفني العبد حظوظ نفسه لأمره تعالى، وحسن المعاملة مع الخلق هو أن لا يفصل مراده ما دام مراده موافقا للشرع؛ لأن كل من رضي بمخالفة الشرع أو خالفه لا يكون صوفيا وإن ادعى التصوف يكون كذابا.

التصوف أوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة فالعلم: يكشف عن المراد والعمل: يعين على الطلب، والموهبة: تبلغ غاية الأصل.[78]

2-أصول التصوف: أكل الحلال والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسنته، ومن لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، أخذ هذا المذهب بالورع والتقوى لا بالدعوى.[79]

فالمريد صاحب وقت، والمتوسط صاحب حال، والمنتهى صاحب يقين، وأفضل الأشياء عندهم عدا الأنفاس؛ فمقام المريد المجاهدات والمكابدات، وتجرع المرارات ومجانبة الحظوظ وما على النفس فيه تبعة، ومقام المتوسط ركوب الأهوال في طلب المراد ومراعاة الصدق واستعمال الأدب في المقامات وهو مطالب بآداب المنازل وهو صاحب تلوين لأنه ينتقل من حال إلى حال وهو الزيادة، ومقام المنتهي الصحوة والثبات وإجابة الحق من حيث دعاه قد تجاوز المقامات، وهو في محل التمكين لا تغيره الأهوال ولا تؤثر فيه الأحوال، قد استوى في حال الشدة أو الرخاء والمنع والعطاء والجفاء والوفاء، أكله كجوعه ونومه كسهره، قد فنيت حظوظه وبقيت حقوقه، ظاهرة مع الخلق وباطنه مع الحق، كل ذلك من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم.[80]

المبحث الثالث: التربية التعبدية

المطلب الأول: أسس العبادة

*الفرع الأول: النية

لا بد للعبد من النية في كل حركة وسكون مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... فإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ونية المؤمن خير من عمله"، والنية قد تختلف على حسب اختلاف الأوقات، وصاحب النية نفسه منه في تعب، والناس منه في راحة وليس شيء على المريد أصعب من حفظ النية.[81]

الفرع الثاني: الذكر

جعل القلب قبل اللسان، والشعور عند الذكر بحياء العبودية وهيبة الربوبية والعلم بأن الله تعالى يعلم سبل القلب ويرى ظاهر الفعل ويسمع مع نجوى القول فيجب على العبد أن يغسل قلبه بالحزن، ويوقد فيه نار الخوف، فإنه إذا زال حجاب الغفلة عن القلب كان ذكر العبد به مع ذكر الله عز وجل له قال تعالى: "ولذكر الله أكبر"[82]، وقال أيضا: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".[83]

وقال أيضا: "إنما المؤمنون اللذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم".[84]

والذكر ذكران: ذكر خالص بموافقة القلب في سقوط النظر إلى غير ذلك، وذكر صاف بفناء الهمة عن الذكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".[85]

*الفرع الثالث: الشكر

في كل نفس من أنفاس العبد نعمة لله عليه تلزمه القيام بشكره عليها وأدنى الشكر أن يرى النعمة من الله تعالى ويرضى بما أعطاه ولا يخالفه بشيء من نعمه وتمام الشكر في الاعتراف بلسان السر أن الخلق كلهم يعجزون عن أداء شكره على أصغر جزء من نعمه وإن بلغوا غاية المجهود؛ لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يحب الشكر عليها، فيلزم العبد على كل شكر شكرا إلى ما لا نهاية له، فإذا تولى الله العبد حمل عن شكره فرضي عنه بيسر وحط عنه ما يعلم أنه لا يبلغه ويضعفه[86]، مصداقا لقوله تعالى: "وما كان عطاء ربك محظورا".[87]

المطلب الثاني: أركان العبادة

*الفرع الأول الشهادتان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

إن كلمتي الشهادة على إيجازهما يتضمنان: إثبات ذات الله سبحانه وإثبات صفاته وإثبات أفعاله وإثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبناء الإيمان على أربعة أركان:

- الركن الأول: في معرفة ذات الله سبحانه وتعالى ومداره على عشرة أصول وهي: العلم بوجود الله تعالى، وقدمه وبقائه، وأنه ليس بجوهر ولا جسم، ولا عرض وأنه ليس بمختص بجهة ، ولا مستقر على مكان وأنه يرى وأنه واحد.

- الركن الثاني: في معرفة صفات الله ومداره على عشرة أصول وهي، العلم بكونه تعالى حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا، متكلما صادقا في أخباره، منزها عن حلول الحوادث، وأنه قديم الصفات.

- الركن الثالث: في معرفة أفعال الله ومداره على عشرة أصول وهي أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ومراده له وأنها مكتسبة لهم، وأنه متفضل بالخلق، وأن له تكليف ما لا يطاق، وله إيلام البريء ويجب عليه رعاية الأصلح، وأنه لا واجب إلا بالشرع وأن بعثة الأنبياء جائزة وأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثابتة مؤيدة بالمعجزات .

- الركن الرابع: في السمعيات ومداره على عشرة أصول وهي: الحشر والنشر وعذاب القبر وسؤال منكر ونكير والميزان، والصراط وخلق الجنة والنار، وأحكام الإمامة.[88]

الفرع الثاني: الصلاة

فإذا استقبلت بوجهك القبلة استقبل بقلبك الحق ولا تبسط فلست من أهل الانبساط، واذكر وقوفك بين يديه يوم العرض الأكبر، وقف على قدمي الخوف والرجاء، وارفع قلبك عن النظر إلى الدنيا والخلق وأرسل همتك إليه؛ فإنه لا يريد الآبق ولا يخيب السائل فإذا قلت: (الله أكبر) فاعلم أنه لا يحتاج إلى خدمتك له وذكرك إياه لأن الحاجة من جبلة الفقراء وتلك سمة الخلق، والغنى من صفات ذاته، وإنما وظف على عبيده وظائف ليقربهم بها إلى عفوه ورحمته ويبعدهم بها من سخطه وعقوبته، قال الله تعالى: "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم".[89]

وأشكر الله إذ جعلك أهلا للوقوف بين يديه فإنه:" أهل التقوى وأهل المغفرة".[90]

وأهل أن يتقيه خلقه فيغفر لمن اتقاه، واركع ركوع خاشع لله بقلبه خاضع بجوارحه، واستوف ركوعك وانحط عن همتك في القيام بأمره، فإنك لا تقدر على أداء فرضه إلا بعونه، ولا تبلغ دار رضوانه إلا برحمته ولا تستطيع الامتناع من معصيته إلا بعصمته ولا تنجو من عذابه إلا بعفوه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل الجنة أحد بعمله".[91]

واسجد لله سجود عبد متواضع علم أنه خلق من تراب يطؤه جميع الخلق، وأنه ركب من نطفة يستقذرها كل أحد، فإذا فكر في أصله وتأمل تركيب جوهره من ماء وطين، ازداد لله تواضعا ويقول في نفسه: "ويحك لم رفعت رأسك من سجودك لم لم تمت بين يديه وقد جعل الله السجود سبب القرب إليه؟"، حيث قال: "كلا لا تطعه، واسجد واقترب".[92]

فمن اقترب منه بعد عن كل شيء سواه، واحفظ صفة سجودك في الآية: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى".[93]

واستعن بالله عن غيره فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال تبارك وتعالى: "لا أطلع على قلب عبد فأعلم منه حب العمل بطاعتي إلا توليت تقويمه وسياسته"، وقوله: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض".[94]

*الفرع الثالث: الصيام

فإذا صمت فإن بصومك تكف النفس عن الشهوات، فإن الصوم فناء مراد النفس وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح والتنبيه على الإحسان إلى الفقراء والالتجاء إلى الله وشكره على ما تفضل به من النعم وتخفيف الحساب، ومن الله سبحانه وتعالى في توفيقك للصوم أعظم من أن تقوم بشكرها، ومن صومك أن لا تطلب منه عوضا.

الفرع الرابع: الزكاة

كل جزء من أجزاء الزكاة واجب لله، فزكاة القلب التفكر في عظمته وحكمته وقدرته وحجته ونعمته ورحمته وزكاة العين النظر بالعبرة، والغض عن الشهوة، وزكاة اليد القبض عن الشر والبسط إلى الخير، وزكاة الرجل السعي إلى ما فيه صلاح قلبك وسلامة دينك.

*الفرع الخامس: الحج

فيه تعقد النية خوف الرد، فيستعد المريد استعداد من لا يرجو الإياب ويحسن الصحبة ويتجرد عند الإحرام عن نفسه، ويغتسل من ذنبه ويلبس ثوب الصدق والوفاء ويلبي موافقة للحق في إجابة دعوته ويحرم في الحرم من كل شيء يبعده عن الله تعالى، ويطوف بقلبه حول كرسي كرامته ويصفي ظاهره وباطنه عند الوقوف على الصفا، ويهرول هربا من هواه ويعترف بخطئه بحرقة، ويقترب إلى الله بمزدلفة ويرمي الشهوات عند رمي الحجرات، ويذبح هواه ويحلق الذنوب، ويودع مادون الله في طواف الوداع.[95]

الخــــــاتمة:

أعرض في خاتمة هذه الدراسة إلى ما خلصت إليه من نتائج علمية واستفادة شخصية على النحو التالي:

* التربية لا بد لها من قواعد وضوابط علمية أصيلة لبناء مجتمع صالح تسوده القيم والأخلاق الفاضلة.

*التربية أرقى وأسمى من أن تكون مجرد وسيلة للتقدم بل هي هو، لشمولها لشتى المجالات: الأسرة – النفس- العقيدة – الروح-المعرفة-التعليم...

*أبو حامد الغزالي ليس مجرد فقيه كما هو معروف عند العامة، بل هو من علماء المسلمين الذين ذاع صيتهم في مجال النفس والفلسفة، أضف إلى ذلك أنه أول من وضع أسس علم النفس.

*أبو حامد الغزالي نموذج مثالي يقتدي به ويحذو حذوه كل من أراد أن يصير ذائع الصيت مثله ويدافع عن الدين الإسلامي ويبين مبادئه وأسسه وينشره ابتغاء لوجه الله عز وجل.

*التربية إذا ما أسسناها على قواعد وقيدناها بضوابط استطعنا أن نوظفها في الدفاع عن أنفسنا وديننا أمام الشعوب الأخرى.

لائحة المصادر والمراجع:
[1]- سورة البقرة، الآية 127.
[2]- سورة النحل، الآية 26.
[3]- القاعدة الكلية إعمال الكلام أولى من إهماله وأثرها في الأصول: محمود مصطفى عبود هرموش، الطبعة الأولى، (1406هـ/1987م)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ص20.[4]- الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية: محمد صدقي بن أحمد البورنو،الطبعة الأولى (1403هـ/1983م)، ص 13.
[5]- القاعدة الكلية إعمال الكلام أولى من إهماله وأثرها في الأصول: محمود مصطفى عبود هرموش، ص 21، مصدر سابق.
[6]- تاريخ الفقه: محمد أنيس عبادة ، مطبعة المحمدية بالأزهر، (1395هـ/1975م) ص107.
[7]- المدخل الفقهي: مصطفى الزرقا، الجزء الثاني، الطبعة التاسعة، ص947.
[8]- الموقع الإلكتروني www.almuallem.net/mag/manhajhas
[9]- لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منضور الإفريقي المصري، المجلد الثاني، مادة (نهج)، دار صادر بيروت، ص438.
[10]- سورة المائدة، الآية 50.
[11]- مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ط 1، دار الجيل بيروت، المجلد الثاني، ج 2 مادة (رب)، ص381و382.
[12]- الموقع الإلكتروني www.balagh.com/matbaat/akhlaq
[13]- الموقع الإلكتروني www.balagh.com/matbaat/akhlaq
[14]- إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي ج12، ط 1، نشر على نفقة عثمان خليفة بالمطبعة العثمانية المصرية بكفر الزغاري شارع المستعلي بالله، (ربيع الأول 1352 هــ لموافق 1933م)، ص3و4.
[15]- الإمام أبو حامد الغزالي متصوفا ومتكلما وفقيها: بحوث مختارة من ندوات أقيمت بدعوة من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة حول الإمام الغزالي احتفاء بذكرى مرور تسعمائة عام على وفاته، مراجعة أحمد حاطوم و حمد توفيق أبو علي تدقيق مريم بري ط1 (1422هـ/2001م)، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إسيسكو دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، ص 36و37.
[16]- الإمام أبو حامد الغزالي متصوفا ومتكلما وفقيها، ص 36و37، (مرجع سابق).
[17]- إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي ج 1، ص4، (مرجع سابق).
[18]- إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي ص4و5، (مرجع سابق).
[19]- إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي ص 4و5، (مرجع سابق).
[20]- أحمد الشرباصي ج 4، ص32.
[21]- المنقذ من الضلال: أبو حامد الغزالي: تقديم وتحقيق كامل عياد وحميد صليبا، ط 6، مطبعة جامعة دمشق (379ه/1960م)، ص7.
[22]- سيرة الغزالي : عبد الكريم العثمان، ص100.
[23]- الإمام أبو حامد الغزالي متصوفا ومتكلما وفقيها، ص 36، (مصدر سابق).
[24]- حنا فاخوري وخليل الجر، تاريخ الفلسفة العربية الجزء الثاني، دار الجيل بيروت، الطبعة الثالثة (1993م) ص 510و511.
[25]- إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي، ج2، ص22، (مرجع سابق).
[26]- سورة البقرة، الآية 187.
[27]- سورة البقرة، الآية 222.
[28]- الموقع الإلكتروني www.55a.net
[29]- الأسرة الإسلامية الطفل في الإسلام – المجتمع الأسري: الشريف عبد الرحمان بن محمد الباقر الكتاني، تحقيق الشريف حمزة بن علي الكتاني دار الكتب العلمية بيروت ط 1 2005م، ص 20و21.
[30]- الأسرة الإسلامية: الطفل في الإسلام المرأة في الإسلام المجتمع الأسري للشريف عبد الرحمان بن محمد الباقر الكتاني. ص 20-21.
[31]- نفس المصدر، ص 22.
[32]- سورة هود، الآية 6.
[33]- سورة الملك، الآية 15.
[34]- سورة هود، الآية 6.
[35]- الأسرة الإسلامية: الطفل في الإسلام – المرأة في الإسلام المجتمع الأسري، ص23، (مصدر سابق).
[36]- سورة البقرة، الآية 195.
[37]- الأسرة الإسلامية: الطفل في الإسلام الأم في الإسلام المجتمع الأسري ص 24، (مصدر سابق).
[38]- عبد الكريم عثمان الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص ص 5و6.
[39]- الإمام أبو حامد الغزالي متصوفا ومتكلما وفقيها، ص 176و177، (مصدر سابق).
[40]- عبد الكريم عثمان الدراسات النفسية عند المسلمين و الغزالي بوجه خاص، ص 15و16.
[41]- نفس المصدر، ص 17.
[42]- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ج 3، ص10، (مرجع سابق).
[43]- المنقذ من الضلال: لإمام الغزالي، (مرجع سابق)، ص456.
[44]- عبد العزيز القوصي علم النفس أسسه وتطبيقاته التربوية، ص47.
[45]- الدراسات النفسية: عبد الكريم عثمان، ص281.
[46]- إحياء علوم الدين : أبو حامد الغزالي ج1، ص215و216.
[47]- إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي، ج3، ص48و49، (مرجع سابق).
[48]- مجموعة رسائل الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج 4، دار الكتب العلمية بيروت (1406هـ/1986م)، ص 113و114.
[49] - سورة الأنبياء، الآية 22.
[50]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي : أبو حامد الغزالي، ج4، ص115و116، (مرجع سابق).
[51]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج 2،ص 115و116، (مرجع سابق).
[52]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي ج 2، ص 68، (مرجع سابق).
[53]- نفس المرجع ج2/ص 28.
[54]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ص 29 و 30 (مرجع سابق).
[55]- سورة ق، الآية 6.
[56]- سورة الطلاق، الآية 12.
[57]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص5، (مرجع سابق).
[58]- سورة الذاريات، الآية 48.
[59]- سورة المرسلات، الآيتين 25و26.
[60]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ص12.(مرجع سابق).
[61]- سورة النازعات، الآيات من 31 إلى 33.
[62]- مجموعة رسائل الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص13، (مرجع سابق).
[63]- سورة الملك، الآية 15.
[64]- سورة الأنبياء، الآية 31.
[65]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص15و16، (مرجع سابق).
[66]- سورة الأنبياء، الآية 30.
[67]- سورة النمل، الآية 60.
[68]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص19. (مرجع سابق).
[69]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص20. (مرجع سابق).
[70]- سورة الإسراء، الآية 70.
[71]- سورة الذاريات، الآية 21.
[72]- سورة المؤمنون، الآية 12.
[73]- رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص26، (مرجع سابق).
[74]- مجموعة رسائل الإمام أبو حامد الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص 26و27، (مرجع سابق).
[75]- مجموعة رسائل الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج1، ص31، (مرجع سابق).
[76]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج2، ص من 12إلى 14، (مرجع سابق).
[77]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج2، ص147، (مرجع سابق).
[78]- مجموعة رسائل الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج 2، ص22، (مرجع سابق).
[79]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج2، ص16و17، (مرجع سابق).
[80]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج3، ص70، (مرجع سابق).
[81]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي ج3، ص71، (مرجع سابق).
[82]- سورة العنكبوت، الآية 45.
[83]- سورة الرعد الآية، 28.
[84]- سورة الأنفال، الآية 6.
[85]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي ج3/ص70، (مرجع سابق).
[86]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج3، ص71، (مرجع سابق).
[87]- سورة الإسراء، الآية20.
[88]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، 2، ص11و12، (مرجع سابق).
[89]- سورة الحجرات، الآية 7.
[90]- سورة المدثر، الآية 56.
[91]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج 3، ص75و76، (مرجع سابق).
[92]- سورة العلق، الآية 19.
[93]- سورة طه، الآية 55.
[94]- سورة الجمعة، 10.
[95]- مجموعة رسائل الإمام الغزالي: أبو حامد الغزالي، ج 3، ص79و80، (مرجع سابق).

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.