•  منذ 4 سنة
  •  0
  •  0

كاتب(ة) : بوطيب عبد الرحمن

جنون الهمس.

«جنون الهمس».
"يا روابي التيه اشهدي...
هو الهمسُ، أشباحُ خيالاتٍ ترقص على كَرْعٍ من دنان الجنون".
———————————
هي الصرخة الأولى منه...
قال: لا،
نَكّسَ الرأسَ منه، ثم اندحر.
زغردتْ نسوةٌ...
صاحت أمُّ القادم:
هذا الوليد... بعد تسع وتسعين غمزةً قد حضر،
هو المبتدا،
يحظى بالأميرة النائمة، تكون له، لنا، للقرية الشاردة في حضن الحزن...
تكون له هي النهاية، هي الخبر.
فَتَحَ العينَ، نظر بالقلب إلى قلب الأم،
سقطت من عينه دمعة حمراء،
رحلت الدمعة إلى وتين أمنا الأرض تحمل رسالةَ تيهٍ وجنون،
انقبض قلب الأرض الطيبة،
نسجت في الأعماق قصةَ شاعرها المسكون...
ورحلت.
شَيَّعَ أُمَّهُ الأرضَ، والقوم به، بغيابها لا يشعرون،
عاد،
أَبْصَرَ الدوابَّ...
وجَمْعَ الإناث،
إليهن،
إلى الجمع الغفير، في عرس سقوط رأسٍ، ما نظر.
نكّس الرأسَ، عاد إلى حلمه، ونام في بطن أمه الأرض.
شهقت حناجر النساء،
بكت الفاجعةُ في قلوبهن سواقيَ من دماء،
وقفتْ بين الفرح والأسى القديم قارئةُ فنجان،
نظرت في سطور فنجانه،
احمرّ الوجهُ منها،
زاغت العين،
نَتَفَتْ من تحت خيمة الشَّعْر خصلةَ شِعْرٍ...
قالت:
صه،
لا تنبسوا ببنت حَلْقٍ،
أنصتوا...
قد جاءكم منكم مجنونٌ شاعرٌ مُنْتَظَر.
لُفّوهُ في خصلة الشِّعْرِ حروفاً حارقةً من وادي عبقر،
دثروه،
ارسموا له على جدران الكهف القديم معبدَ حُبٍّ، قُدّوهُ له من حجر،
قمر أحمر يرعاه،
عازفة ليل تغني له على وَتَر...
آلهة الحرب تحرس المعبد الحجري لا يشرخ صفحةَ مرآته جنٌّ ولا بَشَر.
آلهة الحب تغني لأميرته الصغيرة الناهد، تزفها إلى حضنه على فراش من ورود... وسجادة أسطورة من سَحَر.
لا تزغردن يا نساء،
لا تعشقنه يا عذارى...
لا تعزفن برموش الجفون،
هو منذور منذ ملايين الحكايات لغريبِ وقائعَ من همس الجنون.
للتيه هو قد جاء على فرس النهر يسقي البحارَ العطاشى،
يغمر المطرَ السّرابَ بقطرات هائمة من ندى،
يراقص حبيبته النائمة على قمة الجبل الراسخ في العيون...
يرعاهما ظلٌّ أحمرُ من قمر.
انحبس وهج الحرف في جوف قارئة الفنجان،
احمر الوجه،
زاغت العين...
سقطت مغشياً عليها،
تكسر الفنجان شظايا...
صاحت بومة على رأس الدرب تسهر اللياليَ تحرس الكهف القديم:
يا قوم، ما هذا القدر؟
تلك الليلة،
ما نامت العاشقات،
على درب الحلم حلّقن،
إلى النجم الوليد بالأبصار شَخَصْن،
وفي القلوب لهفةٌ حرّى، رجفةٌ حارقة، وعيون هربت منها الدموع...
قد ذهب البصر.
وللحكاية في الأسفار الصفراء بقية:
لما فتح قلبَ حقيبته الجلدية البنية الكئيبة وهو يرحل دون هوية على متن راحلة الأمواج تهرب به منه إليه في بحار الخواء تحت جنح ليل وقمر أحمر... ما وجد غيرَ ورقة ذابلة خُطّتْ عليها حروف من نيران جريحة ووردة حمراء.
أزاح عن كاهله ثقل عذابات سنين،
غرق في لجة الحروف الجريحة... ضم إلى صدره العاري وردةً حمراء،
همس من جُبِّ القلب بنغمة:
حبيبتي،
صغيرتي،
صدريَ الناهد...
ما خبر القرية النائية؟
صحت الوردة الحمراء النائمة،
إلى العيون الذابلة منه نظرت بالعيون الشاردة،
ابتسمت،
ارتمت على الصدر العاري،
وغنّتْ:
ما كانت لي، ما كانت لك، ما كانت لنا حكاية قرية مجيدة،
كهفٌ قديمٌ زفّت فيه أميرة،
والأنام نيام، نيام، نيام...
يسمرون النهار،
لا ينامون الليل،
يكدحون،
يعصرون العَرَقَ خمرةً صاعقة،
يرقصون على نحيب دفوف،
يتناسلون...
ويرحلون.
ما عاد في قريتي، قريتك، قريتنا سلام.
شربت أنامٌ من دماء أنام،
والوردة الحمراء حبيبتك الناهد في دفاترك القديمة ساهرة لا تنام...
هي تشهد للعوالم العلوية،
هي تشهد للعوالم السفلية...
هي تشهد لكَ،
أنكَ الشاعرَ المجنونَ زرعتَ الحناءَ،
ما حصدتَ لأميرتك الناهد إلا بعض غصّةً تجري على الخدود الذابلة، تحفر خدودَ جنونٍ كان جنونَ همسٍ يفر بغربة فارس سقطت الرأسُ منه بين قوم ما هم أنام...
أضغاث أحلام...
وفي زمن لهم منهم ضاعت البيارق... نُكّست الأعلام،
صمتتْ حلقةُ الشعراء المفقودين...
سافر البحّارُ العجوز منكسراً في جوف "أشيلوس" يروي بالعروق "لغرب المتوسط" روايةَ نجمٍ خانته شعاب الأرض...
ما رقصت معه العذارى على نغمات ملحمة لم تُكْتَبْ من قبلُ ولا من بعدُ في سِفْرِ عُرْبانٍ سكارى، ما هم إلا...
ذاكرة للنسيان.
"عبد الرحمن بوطيب".

المغرب.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.