بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 6 سنة
  •  0
  •  0

سَرَّ

(سَرَّ) السِّينُ وَالرَّاءُ يَجْمَعُ فُرُوعَهُ إِخْفَاءُ الشَّيْءِ. وَمَا كَانَ مِنْ خَالِصِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ. لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ هَذَا. فَالسِّرُّ: خِلَافَ الْإِعْلَانِ. يُقَالُ أَسْرَرْتُ الشَّيْءَ إِسْرَارًا، خِلَافَ أَعْلَنْتُهُ. وَمِنَ الْبَابِ السِّرُّ، وَهُوَ النِّكَاحُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَنُ بِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ السِّرَارُ وَالسَّرَارُ، وَهُوَ لَيْلَةَ يَسْتَسِرُّ الْهِلَالُ، فَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً، وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَتَيْنِ إِذَا تَمَّ الشَّهْرُ. وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ:

«أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا هَلْ صُمْتَ مِنْ سِرَارِ الشَّهْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ.»
 قَالَ فِي السِّرَارِ:


نَحْنُ صَبَحْنَا عَامِرًا فِي دَارِهَا ... جُرْدًا تَعَادَى طَرَفَيْ نَهَارِهَا


عَشِيَّةَ الْهِلَالِ أَوْ سَِرَارَهَا


وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ

قَالَ: أَسْرَرْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ. وَأَسْرَرْتُهُ: أَعْلَنْتُهُ. وَقَرَأَ: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [يونس: 54] . قَالَ: أَظْهَرُوهَا. وَأَنْشَدَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
. . . . . . . . . لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي


أَيْ لَوْ يُظْهِرُونَ. ثُمَّ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ النَّحْوِيِّ قَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: أَخْطَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّفْسِيرَ، وَصَحَّفَ فِي الِاسْتِشْهَادِ. أَمَّا التَّفْسِيرُ فَقَالَ: أَسَرُّو النَّدَامَةَ أَيْ كَتَمُوهَا خَوْفَ الشَّمَاتَةِ. وَأَمَّا التَّصْحِيفُ فَإِنَّمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
. . . . . . . . لَوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي


أَيْ لَوْ يُظْهِرُونَ. يُقَالُ أشْرَرْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَبْرَزْتَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ أشْرَرْتُ اللَّحْمَ لِلشَّمْسِ. وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي بَابِهِ. وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَحْضِ الشَّيْءِ وَخَالِصِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ، فَالسِّرُّ: خَالِصُ الشَّيْءِ. وَمِنْهُ السُّرُورُ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَالٍ مِنَ الْحُزْنِ. وَالسُّرَّةُ: سُرَّةُ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ خَالِصُ جِسْمِهِ وَلَيِّنُهُ. وَيُقَالُ قُطِعَ عَنِ الصَّبِيِّ سَِرَرُهُ، وَهُوَ [السُّرُّ] ، وَجَمْعُهُ أَسِرَّةٌ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَالسِّرَرُ: الْخَطُّ مِنْ خُطُوطِ بَطْنِ الرَّاحَةِ. وَسَرَارَةُ الْوَادِي وَسِرُّهُ: أَجْوَدُهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:


هَلَّا فَوَارِسَ رَحْرَحَانَ هَجَوْتَهُمْ ... عُشَرًا تَنَاوَحَ فِي سَرَارَةِ وَادَ


يَقُولُ: لَهُمْ مَنْظَرٌ وَلَيْسَ لَهُمْ مَخْبَرٌ. وَالسَّرَرُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي سُرَّتِهِ. يُقَالُ: بَعِيرٌ أَسَرٌّ. وَالسَّرُّ: مَصْدَرُ سَرَرْتُ الزَّنْدَ، وَذَلِكَ أَنْ يَبْقَى أَسَرَّ، أَيْ أَجْوَفَ، فَيُصْلَحُ. يُقَالُ سُرَّ زَنْدُكَ فَإِنَّهُ أَسَرُّ. وَيُقَالُ قَنَاةٌ سَرَّاءُ، أَيْ جَوْفَاءُ. وَكُلُّ هَذَا مِنَ السُّرَّةِ وَالسَّرَرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا الْأَسَارِيرُ، وَهِيَ الْكُسُورُ الَّتِي فِي الْجَبْهَةِ، فَمَحْمُولَةٌ عَلَى أَسَارِيرِ السُّرَّةِ، وَذَلِكَ تَكَسُّرُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ» .

وَمِنْهُ أَيْضًا مِمَّا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ: الْأَسْرَارُ: خُطُوطُ بَاطِنِ الرَّاحَةِ، وَاحِدُهَا سِرٌّ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ، قَالَ الْأَعْشَى:
فَانْظُرْ إِلَى كَفٍّ وَأَسْرَارِهَا ... هَلْ أَنْتَ إِنْ أَوْعَدْتَنِي ضَائِرِي


فَأَمَّا أَطْرَافُ الرَّيْحَانِ فَيَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى سُرُورًا لِأَنَّهَا أَرْطَبُ شَيْءٍ فِيهِ وَأَغَضُّهُ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ:


كَبَرْدِيَّةِ الْغِيلِ وَسْطَ الْغَرِيفِ ... إِذَا خَالَطَ الْمَاءُ مِنْهَا السُّرُورَا


وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاسْتِقْرَارِ، فَالسَّرِيرُ، وَجَمْعُهُ سُرُرٌ وَأَسِرَّةٌ. وَالسَّرِيرُ: خَفْضُ الْعَيْشِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَقِرُّ عِنْدَهُ وَعِنْدَ دَعَتِهِ. وَسَرِيرُ الرَّأْسِ: مُسْتَقَرُّهُ. قَالَ:


ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ سَرِيرِهِ


وَنَاسٌ يَرْوُونَ بَيْتَ الْأَعْشَى:


إِذَا خَالَطَ الْمَاءُ مِنْهَا السَّرِيرَا


بِالْيَاءِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ تَأْوِيلُهُ أَصْلَهَا الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ، وَأَنْشَدُوا قَوْلَ الْقَائِلِ:


وَفَارَقَ مِنْهَا عِيشَةً دَغْفَلِيَّةً ... وَلَمْ تَخْشَ يَوْمًا أَنْ يَزُولَ سَرِيرُهَا


وَالسِّرَرُ مِنَ الصَّبِيِّ وَالسَّرَرُ: مَا يُقْطَعُ. وَالسُّرَّةُ: مَا يَبْقَى. وَمِنَ الْبَابِ السَّرِيرُ: مَا عَلَى الْأَكَمَةِ مِنَ الرَّمْلِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ سِرُّ النَّسَبِ، وَهُوَ مَحْضُهُ وَأَفْضَلُهُ. قَالَ ذُوالْأَصْبَعِ:


وَهُمْ مَنْ وَلَدُوا أَشْبَوْا ... بِسِرِّ النَّسَبِ الْمَحْضِ


وَيُقَالُ السُّرْسُورُ: الْعَالِمُ الْفَطِنُ، وَأَصْلُهُ مِنَ السِّرِّ، كَأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِ الْأُمُورِ. فَأَمَّا السُّرِّيَّةُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ فُعْلِيَّةٌ. وَيُقَالُ يُتَسَرَّرُ، وَيُقَالُ يَتَسَرَّى. قَالَ الْخَلِيلُ: وَمَنْ قَالَ يَتَسَرَّى فَقَدْ أَخْطَأَ. لَمْ يَزِدِ الْخَلِيلُ عَلَى هَذَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ السُّرِّيَّةُ مِنَ السِّرِّ، وَهُوَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ صَاحِبَهَا اصْطَفَاهَا لِلنِّكَاحِ لَا لِلتِّجَارَةِ فِيهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِهِ. فَأَمَّا ضَمُّ السِّينِ فِي السُّرِّيَّةِ فَكَثِيرٌ مِنَ الْأَبْنِيَةِ يُغَيَّرُ عِنْدَ النِّسْبَةِ، فَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةُ سُهْلِيٌّ، وَيُنْسَبُ إِلَى طُولِ الْعُمْرِ وَامْتِدَادِ الدَّهْرِ فَيُقَالُ دُهْرِيٌّ. وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر