•  منذ 4 سنة
  •  2
  •  0

جريمة الاتجار بالبشر: عوامل ظهورها وسبل مكافحتها

الاتجار بالبشر جريمة ضد الإنسانية وسلوك إجرامي آثم يدر ملايين الدولارات في مقابل انتهاك حقوق الإنسان والنيل من حريته وإيذاء جسمه ونفسه ليصل الأمر في بعض الأحيان إلى الموت الحقيقي نظرا لخطورة هذا النشاط وآثاره المدمرة على الإنسان.

فما هو تعريف هذه الجريمة ، وما هي عناصرها، وما هي عوامل ظهورها وانتشارها، وما هي أركانها؟

هذه الأسئلة وأخرى تجيب عليها ورقتي البحثية هذه، من خلال محاورها التالية:

المحور الأول: تعريف الاتجار بالبشر

الاتجار بالبشر هو كافة التصرفات المشروعة وغير المشروعة التي تحيل الإنسان إلى مجرم سلعة أو ضحية، يتم التصرف فيه بواسطة وسطاء محترفين عبر الحدود الوطنية بقصد استغلال في أعمال ذات أجر متدن أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك وسواء تم هذا التصرف بإرادة الضحية أو رغما عنه أو بأية صورة أخرى من صور العبودية.[1]

وتتعدد أشكال الاتجار بالبشر فيكون عن طریق الاستغلال الجنسي، وعن طریق استغلال القوى العاملة، كما يكون الاتجار بالأعضاء البشریة.[2]

المحور الثاني: عناصر الاتجار بالبشر

للاتجار بالبشر ثلاثة عناصر مكونة هي:

*الفعل: (ما الذي يفعل)

تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم

*الوسيلة: (كيف يفعل)

التهديد بالقوة أو استعمالها أو بالقسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء مبالغ مالية أو مزايا لشخص له سيطرة على الضحية.

*الغرض: (لماذا يفعل)

لغرض الاستغلال، ويشمل ذلك استغلال دعارة الغير أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الرق أو ممارسات مماثلة لذلك أو نزع الأعضاء للتحقق مما إذا كان طرف معين يشكل اتجارا بأشخاص.[3]

المحور الثالث: تشابك عوامل ظهور جريمة الاتجار بالبشر وانتشارها بالظروف العامة للدولة

إن الظروف الحالية لعالم اليوم الذي يعاني من الحروب والنزاعات المسلحة، بل إن التفكك الاقتصادي والفقر وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي تعد من أهم العوامل المساعدة على إعداد وسط مثالي لجريمة الاتجار بالبشر ذلك أنها تشكل أهم العوامل لتوجه المواطنين نحو الهجرة من دولهم بحثا عن الكسب السريع والخروج من أزماتهم مما يؤدي إلى استغلالهم في تلك التجارة غير المشروعة من خلال استغلالهم من طرف عصابات الإجرام، والسياسة بالإضافة إلى ارتباطها ارتباطا وثيقا بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالإضافة إلى ارتباطها بمستوى تحقيق التنمية على جميع المستويات الوطني منها الإقليمي وكذا الدولي.[4]

وقد أفرز التقارب الدولي، وعصر العولمة، الذي تعيشه البشرية، إلى ظهور جريمة الاتجار بالبشر، كما أن الأزمات الاقتصادية وانعدام فرص العمل وعدم احترام حقوق الإنسان، وغيرها من الأسباب الأخرى التي تدفع بالكثيرين إلى البحث عن فرص عمل، وصارت هنالك جماعات إجرامية منظمة تعمل على الاتجار بالبشر، وينتج عن عمليات الاتجار بالبشر هذه العديد من المآسي فهناك المعاملات غير الإنسانية والاستغلال والاتجار من قبل القائمين بهذه العمليات؛ فمن الظواهر الخطيرة التي ظهرت مؤخرا ظاهرة الاتجار بالبشر نظرا لما تسببه من مساس بكرامة وحرية الإنسان، من أجل ذلك أصدر المشرع المصري القانون رق64 لسنة 2010م بإصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر.[5]

المحور الرابع: أركان جرائم الاتجار بالأشخاص

يتطلب وقوع هذه الجرائم أسوة بباقي الجرائم ركنا ماديا وركنا معنويا فضلا عن ركن مفترض يتمثل في محل الجريمة بوصفها من الجرائم التي تقع على الإنسان.

الفرع الأول

الركن المفترض: محل الجريمة (الإنسان الحي)

عرفت الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم رقم (3) لعام 2010م الاتجار بالأشخاص بأنه جريمة الاتجار بالإنسان وفق الحالات والأحكام المبينة في هذا المرسوم التشريعي، ومن ثم فإن محل هذه الجريمة هو الإنسان، ويقصد بالإنسان الشخص الآدمي الحي، ويخرج من ثم نطاق التجريم (الجنين، كما يخرج أيضا الميت)، لأنهما لا يدخلان ضمن مصطلح الإنسان الحي، وتقع هذه الجريمة على الرجال والنساء والأطفال على حد سواء ذلك أن الرجال ممكن في ظروف معينة أن يصبحوا ضحايا الاتجار.

ولا بد من التمييز بين موضوع جرائم الاتجار بالأشخاص ومحل هذه الجرائم؛ التي محلها هو الكيان المادي الذي تقع عليه الجريمة مباشرة، أما موضوع الجريمة فهو الحق أو المصلحة التي يحميها القانون، ذلك أن المشرع عندما يتدخل بالعقاب على فعل ما فهو

يهدف من وراء ذلك إلى حماية مصلحة معينة أو حق جدير بالحماية، وإذا كان محل جرائم الاتجار بالأشخاص واضحا إلى حد ما وهو الإنسان الحي فإن موضوع هذه الجرائم يكتنفه بعض الغموض ولا سيما بسبب اقتران الأفعال المكونة لجرائم الاتجار بالأشخاص من استدراج ونقل واختطاف وترحيل واستقبال وإيواء، بأفعال أخرى تعد وسائل لارتكاب هذه الأفعال كالإيذاء والضرب والاحتيال والخداع واستغلال الوظيفة، وبأفعال أخرى لاحقة للطائفة الأولى والثانية تتمثل في إجبار الضحية على القيام بأفعال غير مشروعة كممارسة الدعارة أو الاستغلال الجنسي بصوره المتعددة أو أعمال السخرة أو حتى نزاع الأعضاء؛ فتعدد الأفعال التي تقع على ضحية جرائم الاتجار بالأشخاص يؤدي إلى الخلط في موضوع جرائم الاتجار بالأشخاص وبرأينا إن موضوع جرائم الاتجار بالأشخاص على اختلاف صورها هو حق الإنسان في الكرامة الإنسانية.

الفرع الثاني

الركن المادي في جرائم الاتجار بالأشخاص:

يعرف الفقه الركن المادي للجريمة بأنه المظهر الخارجي الذي تبرز به الجريمة إلى حيز الوجود، ويتألف الركن المادي في جرائم الاتجار بالأشخاص من العناصر الآتية:

-النشاط الإجرامي: ويتمثل في عدة صور هي استدراج أشخاص أو نقلهم أو اختطافهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم.

-الوسيلة المستخدمة: وتتمثل في استعمال القوة أو التهديد باستعمالها أو اللجوء إلى العنف أو الإقناع أو استغلال الجهل أو الضعف أو بالاحتيال أو الخداع أو استغلال المركز الوظيفي بالتواطؤ أو تقديم المساعدة ممن له سلطة على الشخص الضحية

-موضوع النشاط الإجرامي وهو المنفعة وتتمثل في كسب مادي أو معنوي أو وعد به أو بمنح ميزات أو سعيا لتحقيق أي من ذلك أو غيره.[6]

المحور الخامس: المبادئ الخمسة لمكافحة الاتجار بالأشخاص

أولا: المنع: ويتمثل في:

- البحث

- التحذير من مخاطر الدعارة

- منح النساء قروضا صغيرة وفرصا اقتصادية أخرى

- التخفيف من حدة العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل البعض عرضة، للاتجار في الأشخاص

- تبني أو دعم التشريعات التي تحد من الطلب

- تحسين التعليم لتخفيض الطلب

ثانيا: الحماية وتتمثل في:

-حماية الشهود

-صفة المهاجرة التعويضات المدنية

-السلامة /الأمن الجسدي

ثالثا الرعاية: ومن أهم وسائلها ما يلي:

-ملجأ رعاية صحية

-تدريب وظيفي

-سرية الإجراءات القانونية

-استشارة قانونية

-فرص تعليم وتدريب

-الاهتمام بالاحتياجات الخاصة للأطفال

رابعا المحاكمة: ومن متطلباتها ما يلي:

-القانون وتنفيذ القانون

-التحقيق والتقاضي والإدانة

- مصادر الممتلكات

-تبادل المعلومات تدريب مسئولي تنفيذ القانون

-تسليم المجرمين

-امتداد نطاق التشريع الوطني

خامسا: المشاركة وتتمثل فيما يلي:

-مشاركة الجمهور

-دور المجتمع المدني

-المنظمات غير الحكومية

- المنظمات الدينية

-الإعلام

-المؤسسات الأكاديمية واجب المواطن العادي بالتبليغ

-مدونات السلوك التي تتبناها الشركات.[7]

المحور السادس: موقف الإسلام من الاتجار بالبشر

لما كانت الشريعة الإسلامية الغراء تتسم بالدرجة القصوى من الرقي الحضاري والإنساني فقد حرمت جريمة الاتجار بالبشر بكل صورها، كما حرمت كل ما يؤدي إلى الوقوع فيها، وذلك انطلاقا من مبدأ تكريم المولى سبحانه وتعالى للإنسان فلقد خلق الله تعالى بني آدم وكرمهم وفضلهم على سائر خلقه، يقول المولى تعالى في محكم آياته: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

حيث جاء الإسلام بعقيدته وشريعته ليحرر الإنسان من العبودية ويحقق العدل ويكفل للإنسان كرامته واحترام حرياته الأساسية، كما يهتم الإسلام كل الاهتمام بالإنسان الضعيف، وتدعيمه لحقوق المرأة وفي نفس الوقت لم يغفل عن إنصاف الرجل وكفالة حقوق الطفل.

وتشكل جريمة الاتجار بالبشر شكلا من أشكال الرق المعاصر، حيث تقوم عصابات الإجرام المنظم، ومافيا الاتجار بالبشر والوسطاء التابعين لهم بانتهاك حقوق المستضعفين من البشر واستغلالهم استغلالا سيئا وصل إلى حد القهر والاسترقاق، وكان الإنسان لدى هؤلاء المجرمين بمثابة سلعة يباع ويشترى وذلك بالمخالفة للديانات السماوية والتشريعات الوضعية.[8]

المحور السابع: مكافحة الاتجار بالبشر من خلال المواثيق الأممية والمعاهدات الدولية

تناولت مسألة الاتجار بالأشخاص طائفة واسعة من الصكوك وتركز سلسلة من المعاهدات الدولية بشأن الاتجار، التي عمدت بين عامي 1904م و1949م على حظر الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض البغاء وأغراض جنسية أخرى، ويسترعي العديد من صكوك حقوق الإنسان الانتباه أيضا إلى بيع النساء والأطفال والاتجار بهم، وفي عام 2000م اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال (بروتوكول منع الاتجار) المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وتتمثل أهداف بروتوكول منع الاتجار في منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص وإيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال حماية الضحايا ومساعدتهم، تعزيز التعاون بين الدول الأطراف لتحقيق هذه الأهداف (مادة 2) وتسعى الجمعية إلى معالجة كافة مظاهر الاتجار بالبشر، ومن ثم تعتمد تعريفا عاما للاتجار بالأشخاص يتألف من ثلاثة عناصر المادة3 (أ)

1 فعل وهو تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم

2وسيلة أي التهديد بالقوة أو استعمالها أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر.

3 غرض وهو الاستغلال ويشمل كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء، ( وقد تم ذكر هذه العناصر الثلاثة أعلاه).

وفيما يتعلق بالأطفال، يعتبر الفعل المرتكب لغرض الاستغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال بأنه يمثل اتجارا بالأشخاص حتى وإن لم يتم اللجوء إلى إحدى وسائل الإكراه المحددة، وفي جميع الأحوال، لا تؤخذ في الاعتبار موافقة ضحية الاتجار على الاستغلال المقصود إذا استخدمت وسيلة من وسائل الإكراه المحددة (المادة 3) (ب)و(ج).

واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها، هي بالدرجة الأولى تتراوح بين ما هي إلزامية أو ما يتعين على الدول أن تنظر فيها أو تسعى إلى تطبيقها أو ما هي اختيارية تماما، غير أن شرط تجريم الاتجار، المنصوص عليه في المادة 5، يمثل التزاما أساسيا وإلزاميا لجميع الدول الأطراف

وعقب اعتماد بروتوكول منع الاتجار، وضعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان مبادئ وخطوط توجيهية غير ملزمة موصى بها بشأن حقوق الإنسان والاتجار بالبشر(2002م) موسومة ب: ''المبادئ والخطوط التوجيهية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان''، وتقدم توجيهات بشأن سبل إدماج منظور حقوق الإنسان في جميع الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار.[9]

تأسيسا على ما سبق يمكن القول: إن الاتجار بالبشر عملية دينامية وناجمة عن مجموعة معقدة ومتشابكة من عوامل الدفع والجذب ولذلك فإن منع الاتجار بالبشر يتطلب جهودا متضافرة وتعاونية من جانب جميع بلدان المنشأ والعبور والوجهة النهائية.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.