•  منذ 3 سنة
  •  1
  •  0

حماية النساء من جرائم الاتجار بالبشر من خلال المواثيق الدولية

نوال الراضي/المغرب

مقدمة

من المعلوم أن العنف ضد المرأة عنف قائم على نوع الجنس، ويطلق بشكل عام على أي فعل من الأفعال العنيفة التي تمارس بشكل متعمد تجاه النساء، وهو من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا في العالم بأسره، حيث يتخذ عدة أشكال من بينها الاتجار بالنساء.

فما هو الاتجار بالنساء، وما هي أشكاله، وما أساليب حماية النساء من جريمة الاتجار بهن من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات الأممية؟

هذه الأسئلة وغيرها، سأحاول الإجابة عنها من خلال ورقتي البحثية الموسومة ب:

حماية النساء من جرائم الاتجار بالبشر من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات الأممية، وقد قسمتها إلى:

المحور الأول: الاتجار بالنساء تعريفه والإحصاءات العالمية حوله

1- تعريف الاتجار بالنساء وتبني المنظور الجنساني

أ - تعريف الاتجار بالنساء

الاتجار بالنساء شكل من أشكال العنف اتجاه أكثر البشر توترا وهو أيضا شكل من أشكال المساس المحظور بقانون الأسرة الدولي، لأن بعض أنواع هذا الاتجار ينطوي على تشويه الممارسات الأسرية المشروعة أو استغلالها بسوء، كما أن بعض الممارسات العرفية المعينة التي ينظر إليها في بعض الأوساط على أنها تنطوي في صميمها على الإضرار بحقوق الإنسان وكرامته، قد تشكل أيضا اتجارا من هذا النحو.[1]

وتجدر الإشارة إلى أن تعريف الاتجار بالنساء يندرج ضمن الفهم العام لجريمة الاتجار بالبشر، لأن جل المواثيق الدولية أدرجته بهذا النسق.

ب - تبني منظور جنساني إزاء الاتجار

يؤثر الاتجار بالبشر على النساء بشكل كبير سواء كضحايا أو مجرمات، وتعد البيانات المتعلقة بالنساء من أكثر النتائج إثارة للاهتمام في تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والتقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص لعام 2014م، الذي يؤكد أن النساء والفتيات يتعرضن للاستغلال بشكل غير متناسب ليس لأغراض الاستغلال الجنسي فحسب، وإنما للسخرة أيضا ففي بعض المناطق كجنوب شرق آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، تشكل النساء غالبية ضحايا الاستغلال لأغراض السخرة.[2]

وبصفة عامة يمكن تحديد الاتجار بالنساء بالمفهوم الجنساني في عدة نقاط من أبرزها ما يلي:

- تزویج البنات مقابل أموال.

- إكراه البنات على الزواج أو على ممارسة الدعارة.

- كراه النساء على الزواج أو على ممارسة الدعارة.

- إكراه النساء على العمل في الورش، والزراعة والخدمات المنزلیة.

- تزویج النساء والبنات، أو جعلهن یمارسن الدعارة أو الخدمات الأخرى.

2 - الإحصائيات العالمية حول الاتجار بالنساء

تعد جريمة الاتجار بالنساء ثالث أكبر تجارة إجرامية في العالم بعد تجارة المخدرات و تجارة السلاح.[3]

ولكون النساء يشكلن الغالبية العظمى من الأشخاص المتاجر بهم، لاعتبارات تتعلق بالجنس ولخصوصية الصفات البيولوجية لهذه الفئة، وهذه الصفات تبين الاختلاف بين الذكور والإناث، والاتجار بالنساء موجه أساسا للدعارة حيث يتم إجبارهن على البغاء، وهناك صفات تشترك فيها معظم النساء اللواتي يتورطن في تجارة الجنس، وتتمثل هذه الصفات المشتركة في كون معظم هؤلاء النسوة يعانون بشكل كبير من الفقر وغالبا ما تأتين من المناطق الريفية، ومعظمهن صغيرات السن لا يتجاوز أعمارهن 24 سنة، وغير متزوجات.[4]

وقد تم الإعلان في (دیسمبر/كانون الأول 2016م) عن إحصائیات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجریمة ( (UNODCفأظهرت بياناتها أبعاد الاتجار بالبشر وشموليتها كون ضحایا الاتجار بالنساء اللواتي تم تحديدهن عالمیا تصل نسبتهن إلى .٪51، ویتم إلحاق الظلم ب .٪ 72 من النساء في قطاع الدعارة، وتبلغ نسبة الاتجار بالنساء .٪37، حیث إن نسبة مشاركة النساء في هذه الجریمة تعتبر عالیة بالمقارنة مع الجرائم الأخرى، وتبلغ نسبة النساء في الجرائم الأخرى.٪ 10.[5]

المحور الثاني: أشكال الاتجار بالنساء وأسبابه

1 - أشكال الاتجار بالنساء

یشتمل الاتجار بالنساء على أشكال من الاستغلال تختلف عن بعضها البعض يذكر منها:

· ظاهرة زواج القاصرات ويقصد بزواج القاصرات ظاهرة الزواج المبكر للفتيات، والتي ترتبط بقيام بعض الرجال الأثرياء من دول الخليج بالسفر إلى بعض الدول العربية لشراء زواج مؤقت مع نساء قاصرات (ممن هن تحت سن 18 عاما)، حيث يتم تسهيل هذا الزواج من قبل والدي الأنثى وبعض سماسرة الزواج، وبعد مرور مدة من الزمن، يرجع هؤلاء الأزواج إلى بلادهم تاركين زوجاتهم بعد تطليقهن، سواء أكانوا لديهم أبناء أم لا؟ وهذا الأمر يتسبب في وقوع العديد من المشاكل.[6]

· الاتجار بالنساء في حالات النزاع

بما أن أشكال الاستغلال التي تحدث في البيئات المتأثرة بالنزاعات تحدث أيضا في سياقات أخرى، فإن ظروف النزاع كثيرا ما يكون من شأنها على الأرجح أن تولد عوامل هذا الاستغلال أو عوامل تفاقم مدى انتشاره وجسامته، كما أن بعض أشكال الاستغلال التي حددت من خلال البحوث بشأن الممارسات الاستغلالية في البيئات المنكوبة بالنزاع قد نشأت تحديدا من سياق النزاع، ومنها مثلا استغلال النساء والفتيات جنسيا بأيدي أعضاء الجماعات المسلحة والإرهابية.

· العنف الجنسي المتصل بالنزاعات ويشمل الاغتصاب والاسترقاق الجنسي والبغاء القسري والحمل القسري والإجهاض القسري والتعقيم القسري والزواج المؤقت القسري، وأيا من الأشكال الأخرى للعنف الجنسي التي ترتكب تجاه النساء أو البنات وتكون مرتبطة بنحو مباشر أو غير مباشر بالنزاع، ويمكن تبين هذه الرابطة بجلاء من سمات الجاني أو سمات الضحية أو في حالات مناخ يسود فيه سريعا الإفلات من العقاب من جراء انهيار سيادة القانون أو الدولة أو في حالات العواقب العابرة للحدود أو في حالات انتهاكات بنود اتفاق لوقف إطلاق النار أو تلك الحالات كلها، وقد يستخدم العنف الجنسي المتصل بالنزاعات كأسلوب من أساليب الحرب وأساليب الإرهاب.

ويمكن أن يعد جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية أو جريمة إبادة جماعية، وقد يحدث العنف الجنسي المتصل بالنزاعات في سياق الاتجار بالأشخاص أو يستتبع هذا الاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي؛ فعلى سبيل المثال تعد النساء والفتيات اللاجئات والمشردات داخليا في المناطق التي تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة أو الإرهابية عرضة بصفة خاصة للعنف الجنسي، بما في ذلك الاسترقاق الجنسي وقد يقع السكان المحليون ضحايا للاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي على أيدي الجماعات المسلحة والجماعات غير المسلحة كما يمكن أن تزداد أيضا.[7]

وتعتبر بعض الجماعات المسلحة السكان المدنيين موارد يمكن الاتجار بها كما يدل على ذلك تعرض نساء سوريات وعراقيات مؤخرا إلى الاختطاف والاتجار بهن عبر الحدود، وهي أمور تم توثيقها عن العنف الجنسي المتصل بالنزاع، ومن المعروف جيدا أن النساء والفتيات المشردات داخليا واللاجئات في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (تنظيم الدولة الإسلامية) قد تعرضن للبيع أو تم تزويجهن بالإكراه من مقاتلين في الجماعات المسلحة أو أثرياء أجانب.[8]

2 - أسباب الاتجار بالنساء

من الأسباب الرئیسیة للاتجار بالنساء انعدام العدالة الاجتماعیة بالنسبة إليهن وإلى الأطفال البنات منهن، وانعدام العدالة الاجتماعية هو السبب الأساسي في كونهن ضحایا الاتجار بالبشر، ومن خلاله یتعذر على البنات أن یحصلوا على إمكانات التعلیم، ومن ثم یستحیل عليهن إیجاد عمل جید ذي دخل جید، مما يجعلهن مرتبطات بهذه الحالة، وقد یتم ترك البنات الشابات للاستغلال داخل الجو الأسري، مما يجعلهن عرضة للمخاطر نتیجة رغبتهن في الهروب من هذا الجو نحو حیاة أفضل، وبالطبع لا یشمل هذا الأمر النساء غیر المتعلمات فحسب؛ وإنما قد تقع النساء المتعلمات ضحیة للاتجار بالبشر، لأن النساء في معظم أنحاء العالم یضطررن للعمل بأجور زهيدة بشكل مستقل عن تعليمهن، فالنساء یتعرضن لخطورة الاتجار بالبشر لأسباب تتعلق بالتمییز الاجتماعي الجنسي.[9]

المحور الثاني: حماية النساء من جرائم الاتجار بالبشر من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات الأممية وأساليب منعه.

1 - حماية النساء من جرائم الاتجار بالبشر من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات الأممية

لقد بدأ الاهتمام بتجارة الأشخاص في أواخر القرن التاسع عشر فعقد مؤتمر لندن عام 1899م، وأسفر عن بعض التوصيات وضعت أسس التعاون الدولي في مجال حضر الاتجار بالأشخاص، ومن ثم تصاعدت جهود المجتمع الدولي، فعقد مؤتمر باريس بدعوة من فرنسا عام 1902م، لمحاولة تنفيذ وصايا مؤتمر لندن إذ أسفر المؤتمر عن اتفاق دولي من أجل حماية فعالة من الاتجار بالرقيق الأبيض، فجاءت اتفاقية 18 ماي 1904م، لحظر الاتجار بالرقيق الأبيض كأول اتفاقية تتناول هذا الموضوع، ثم تلا هذه الاتفاقية اتفاقية عام 1910م، تتناول الموضوع ذاته وبعد ذلك اتفاقية حول تجريم الاتجار بالنساء والأطفال في عام 1921م.[10]

وقد أكدت هذه الصكوك على تجريم الاتجار بالنساء واستغلالهن وسعت إلى بذل الجهود لمكافحة هذا النوع من الإجرام اللاإنساني، كما سعت مجموعة من المواثيق الدولية على عقد عدة اتفاقيات لتجريم الاتجار بالنساء ومن من أهمها:

1- الاتفاقية الخاصة بالرق لعام 1926م

تعتبر اتفاقية عام 1926م الخاصة بالرق التي بدأت النفاذ عام 1927م، والتي عدت في بروتوكول عام 1953م؛ حيث بدأ نفاذ الاتفاقية المعدلة عام 1957م، والتي انضم إليها المغرب ووضع صكوك قبولها في 11 ماي 1959م، تضمنت 12 مادة وضعت مجملها الإطار الذي من خلاله سوف يتم مواجهة ظاهرة الرق، إذ جاء في الفقرة الأولى من المادة الأولى منها تعريف الرق بأنه: (حالة أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناتجة عن حق الملكية كلها أو بعضها)، وفي الفقرة الثانية منه: (ما تشتمل عليه تجارة الرقيق بأنها جميع الأفعال التي تنطوي عليها أسر شخص ما أو احتجازه أو التخلي عنه للغير على قصد تحويله إلى رقيق وجميع الأفعال التي تنطوي عليها كاحتجاز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي بيعا أو مبادلة عن رقيق ثم احتجازه عن قصد بيعه أو مبادلته وكذلك عموما أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم).

أما المادة الثانية من ذات الاتفاقية فإنها تنص على تعهد الأطراف الساميين المتعاقدين كل منهم فيما يخص الأقاليم الموضوعة تحت سيادته أو حمايته أو سلطانه أو حيازته أو بقدر، كونه لم يتخذ بعد التدابير الضرورية لذلك، ومن بنود التعهد:

أ - منع الاتجار بالرقيق أو المعاقبة عليه.

ب - العمل تدريجيا وبالسرعة الممكنة على القضاء كليا على الرق بجميع صوره.[11]

وعلى ذلك تم تشكيل لجنة الرق المؤقتة من جانب عصبة الأمم المتحدة في 12 يونيو 1924م، للتمهيد لوضع تدابير وقواعد على أساسها ثم إبرام اتفاقية الرق لعام 1926م، معتمدة في ذلك على الدراسات والأبحاث التي قد وقفت على وضع عمليات الرق في العالم.[12]

وتلزم هذه الاتفاقية أطرافها باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الاتجار بالرقيق والمعاقبة عليه، والعمل بأقصى سرعة للقضاء على الرق؛ فهذه الاتفاقية تقر في موادها 12 بالتعاون الدولي وتطالب الأطراف المتعاقدة بتبادل كل مساعدة ممكنة للقضاء على الرق وتجارة الرقيق.

2- الاتفاقية الخاصة بحضر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لعام 1949م.[13]

قامت الاتفاقية الخاصة بحظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لعام 1949م بإلزام الدول الأطراف فيها، باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار بالأشخاص بصفة عامة من الجنسين لأغراض الدعارة، وكذا اتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة مكاتب الاستخدام بغية تفادي تعرض الأشخاص الباحثين عن عمل لا سيما الأطفال والنساء لخطر الدعارة، فالدعارة وما يصاحبها من آفة الاتجار بالأشخاص لأغراض الدعارة، تتنافى مع مبادئ الشرائع والأديان السماوية وكرامة الشخص البشري والإنسانية، وتعرضه للخطر وتؤثر على حياة الفرد والأسرة والجماعة.

وقد أكدت هذه الاتفاقية في ديباجتها على الدعارة والضرر الناجم عن الاتجار في الأشخاص لهذا الغرض يتناقضان مع كرامة الإنسان.[14]

ويعرضان للخطر الفرد والأسرة والمجتمع، وأكدت المادة الأولى منها على ضرورة أن تتخذ الدول الأطراف ما يلزم لمعاقبة أي شخص يستأجر أو يدفع آخر إلى ممارسة الدعارة، ولو برضا هذا الأخير وكل من يستغل دعارة الغير ولو برضا الشخص الذي يمارس الدعارة.[15]

وكذلك نصت المادة الثانية من هذه الاتفاقية على أنه يجب على الدول الأطراف معاقبة كل شخص يملك أو يدير أو يمول من علم أو يسهم في تمويل محل للدعارة، وكل من يقدم أو يستأجر ولو جزئيا مبنى أو أي مكان آخر بقصد أن يستخدم الغير في الدعارة.[16]

3-اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير

أقرتها الجمعية العامة بقرارها 317(د-4)، يوم 2 كانون الأول/ديسمبر 1949م، تاريخ بدء النفاذ: 25 تموز/يوليه 1951م، وجاء في ديباجتها: لما كانت الدعارة، وما يصاحبها من آفة الاتجار بالأشخاص لأغراض الدعارة، تتنافى مع كرامة الشخص البشري وقدره، وتعرض للخطر رفاه الفرد والأسرة والجماعة، فإن الصكوك الدولية التالية نافذة على صعيد حظر الاتجار بالنساء:

+ الاتفاق الدولي المعقود في 18 أيار/مايو 1904م حول تحريم الاتجار بالرقيق الأبيض والمعدل بالبروتوكول الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 كانون الأول/ديسمبر 1948م.

+ الاتفاقية الدولية المعقودة في 4 أيار/مايو 1910م، حول تحريم الاتجار بالرقيق الأبيض، والمعدلة بالبروتوكول السالف الذكر.

+ الاتفاقية الدولية المعقودة في 30 أيلول/سبتمبر 1921م حول تحريم الاتجار بالنساء والمعدلة بالبروتوكول الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1947.

+ الاتفاقية الدولية المعقودة في 11 تشرين الأول/أكتوبر 1933 حول تحريم الاتجار بالنساء البالغات، والمعدلة بالبروتوكول السالف الذكر.[17]

4-اتفاقية إدماج الاتجار في خطة مجلس الأمن المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن (2000م)

القرار 1325 تضمن خطة طموحة وشاملة تهدف إلى معالجة الحالة الخاصة للنساء في النزاعات المسلحة وعمليات السلام والتعمير بعد انتهاء النزاع، وسلم للمرة الأولى بأن النساء في حالات النزاع، وما بعد النزاع ضحايا وقادرات على الفعل في آن واحد وتتمحور الخطة ذات الصلة حول أربع ركائز رئيسية هي منع نشوب النزاعات والعنف الجنسي في النزاعات، والحماية من العنف الجنسي في النزاعات، ومشاركة النساء وتمثيلهن تمثيلا حقيقيا على جميع المستويات صنع القرار المتعلقة بمنع النزاعات وإدارتها وحلها، والإغاثة والإنعاش، وهذه الركائز مترابطة ويعزز بعضها بعضا، وتشكل جزءا من الفهم الشامل للسلام الذي يعني التمتع بجميع الحقوق الأساسية وإعمالها للجميع كشرط يساعد على إحلال السلام المستدام.

-ومن المفيد وضع مسألة الاتجار بالنساء والفتيات في إطار الخطة المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن: فهو يتيح التفكير بصورة مشتركة على صعيد عدد من الخطط الدولية المختلفة، بالاستناد إلى القانون الدولي وإلى نهج يقوم على الحقوق ويركز على الضحايا أولويته منع العنف الجنساني وحماية النساء والفتيات من هذا العنف في حالات النزاع المسلح وإسناد أدوار قيادية لهن كوسيلة فعالة لمنع الاتجار بالأشخاص وتوفير الإدماج الاجتماعي للناجيات والناجين منه.[18]

5-اتفاقية رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي الصادرة عام (2002م)، بشأن منع ومكافحة الاتجار بالنساء والأطراف لأغراض البغاء، والتي تعرف هذا الاتجار بأنه نقل أو بيع أو شراء النساء والأطفال لأغراض البغاء داخل بلد ما وخارجه مقابل عوض نقدي أو غيره سواء أكان ذلك برضا الشخص الخاضع للاتجار أم بعير رضه)، وتنص الاتفاقية على أن الدول الأطراف في الاتفاقية يجب أن تتخذ التدابير الفعالة لضمان جعل الاتجار بأي شكل من الأشكال جرما بمقتضى القوانين الجنائية الخاصة بكل منها، وعليها أن تجعل هذا الجرم خاضعا للعقاب بعقوبات مناسبة تضع في الحسبان طبيعته الخطيرة (الفقرة 1 من المادة 3).[19]

ومن المواثيق الدولية المهمة حديثة العهد في هذا الشأن:

- توصيات الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا التي خرجت بها الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وتتضمن التوصية 1325 (1997م)، المرتبطة بالنساء وإرغامهن على ممارسة الدعارة في الدول الأعضاء بمجلس أوروبا، والتوصية 1450 (2000م)، بشأن العنف ضد المرأة في أوروبا، والتوصية 1445 (2002م)، بشأن الحملة لمكافحة الاتجار بالنساء، والتوصية 1610 (2003م)، بشأن الهجرة المرتبطة بالاتجار بالنساء والدعارة، والتوصية 1611 (2003م)، حول الاتجار في الأعضاء في أوروبا، والتوصية 1663 (2004م)، حول الاسترقاق المنزلي: السخرة، وجليسات الأطفال وعرائس يتم شرائهن عن طريق المراسلات.[20]

- البروتوكول الخاص بحقوق المرأة في إفريقيا الصادر عام (2003م)، الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي يوعز إلى الدول الأطراف باتخاذ التدابير المناسبة والفعالة لمنع الاتجار بالمرأة والتنديد به، ومعاقبة مرتكبيه وحماية النساء اللواتي هن أشد تعرضا للمخاطر (الفقرة الثالثة من المادة الرابعة –ز-).[21]

2 - أساليب منع الاتجار بالنساء

من المهم في سياق منع الاتجار بالنساء معالجة العوامل التي تجعل النساء والفتيات، عرضة للاتجار، إذ إن قلة قليلة من الدول المبلغة أبرزت بذل جهود لمعالجة عوامل مثل الفقر والبطالة وعدم المساواة بين الجنسين وعدم تمكين النساء والفتيات اقتصاديا في بلدانهن، وأفادت جورجيا وفنلندا بأن الجهود الرامية إلى منع عدم المساواة والإقصاء الاجتماعي ودرء الفقر (بوسائل منها الحد من البطالة) والتصدي للتمييز ضد المرأة تمثل أولوية رئيسية في برامجها الحكومية، وأفادت جورجيا أيضا بأنها زادت من الخدمات الرامية إلى الحد من الفقر، وذكرت الفلبين أن تعرض العاملات المهاجرات للاتجار بالبشر هو من أهم المشاكل الناشئة عن الهجرة وأفادت أستراليا وبولندا وسلوفينيا بأنها تركز جهودها على زيادة وعي العمال المهاجرين والأجانب بحقوقهم فيما يخص مكان العمل، منعا للتمييز والاستغلال، ولا تزال غالبية إفادات الدول المبلغة تركز على جهودها الرامية إلى تجريم الاتجار وعلى النهوج التي تتبعها في توفير خدمات الحماية والدعم لضحايا الاتجار، وخصوصا النساء والفتيات عقب وقوعهم ضحية للإيذاء.[22]

ومن أبرز أساليب المنع ما عبرت عنه الجمعية العامة في موقفها من الاتجار بالنساء، حيث أكدا إدانتها الشديدة للاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء، باعتباره جريمة خطيرة وإساءة جسيمة لكرامة الإنسان وسلامته البدنية، وانتهاكا وإهانة لحقوق الإنسان، وتحديا للتنمية المستدامة، ويتطلب:

· إتباع نهج شامل يتضمن تدابير لمنعه ومقاضاة المتاجرين ومعاقبتهم ولحماية ضحايا هذا الاتجار، ولتعزيز التعاون والشراكات من أجل التصدي للاتجار بالأشخاص.

· تدخلا من نظام العدالة الجنائية بما يتناسب وجسامة الجرم، كما تشير إلى جميع الاتفاقيات الدولية التي تتناول بالتحديد مسائل تتعلق بمشكلة الاتجار بالنساء والفتيات وتتصدى لها، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها وبخاصة بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال والمعاقبة عليه، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.[23]

خاتمة

إن طبيعة جريمة الاتجار بالنساء تحتم التدخل السريع ويجب أن تكون ذات أولوية في مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر ومن التوصيات التي يمكن إدراجها بهذا الخصوص ما يلي:

- ينبغي لجميع الدول أن تتكفل بأن تظل تدابير منع الاتجار والتصدي له مراعية للاحتياجات الخاصة للنساء والفتيات، خصوصا عند التصدي لأشكال معينة من الاستغلال، مثل الاستغلال الجنسي والاسترقاق المنزلي، وينبغي لتدابير التصدي التي تتخذها الدول أن تكون قائمة على حقوق الإنسان وأن تعالج، عند الاقتضاء، عوامل الحظر التي تزيد من التعرض للاتجار، بما فيها عدم المساواة بين الجنسين.

- ينبغي للدول أن تواصل صوغ وتنفيذ اتفاقات وترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف وإقليمية لضمان فعالية الإجراءات المتخذة في جميع مجالات مكافحة الاتجار بالنساء والفتيات.

- ينبغي للدول أن تتخذ مزيدا من الإجراءات لمعالجة العوامل التي تجعل النساء والفتيات، عرضة للاتجار وخصوصا فيما يتعلق بالحد من الفقر والبطالة وتوفير سبل الحصول على التعليم.

- ينبغي للدول أن تدرج منع الاتجار بالنساء والفتيات في جميع المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية نظرا لأن هؤلاء النساء والفتيات اللاتي يعشن في ظروف الطوارئ الإنسانية يكنن أشد تعرضا للاتجار.

- ينبغي للدول أن تستحدث إجراءات لتعزيز وتكثيف عمليات جمع البيانات، ولتحسين المنهجيات المتبعة في الرصد والتقييم ولكي تفعل ذلك ينبغي لها أن تشارك مشاركة نشطة في جميع الجهود الدولية الرامية إلى استحداث أدوات منهجية تساعد على جمع البيانات وتحليلها، بغية تحسين ما يبذل من جهود دولية منسقة لمكافحة الاتجار ولاسيما الاتجار بالنساء والفتيات.

لائحة المصادر والمراجع:

[1]- مكافحة الاتجار بالأشخاص كتيب إرشادي للبرلمانيين، نشر الاتحاد البرلماني والدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ص 8.
[2]- تقرير المقررة الخاصة المعنية بالاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، ماريا غراتسيا جيامارينارو، 31 مارس 2015م، لدى مجلس حقوق الإنسان الدورة التاسعة والعشرون، البند الثالث من جدول الأعمال الخاص بتعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية، ص 10.
[3]- جريمة الاتجار بالنساء والأطفال في القانون الدولي: إعداد الطالبين. تازيت خالد وقاسمي إلياس، إشراف الأستاذ بلول جمال، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق، شعبة القانون العام، تخصص القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم القانون العام، السنة الجامعية: 2013/2014م، ص5.
[4]- جرائم الاتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية وعقوباتها في الشريعة والقوانين العربية والقانون الدولي: عبد القادر الشخيلي، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2009م، ص48.
[5]- فهم جریمة الاتجار بالبشر دلیل لمنظمات المجتمع المدني: إعداد توبا دوندار والیف أوزر، طبع شركة آشاما المحدودة، نشر المؤسسة الخیریة لتطویر الموارد البشریة (اسطنبول--تركيا)، ص9و10.
[6]- جريمة الاتجار بالبشر في القانون الإماراتي في ضوء أحدث التعديلات: رامي متولي مجلة جامعة الشارقة، المجلد الثاني عشر العدد الأول شعبان 1436هـ/ يونيو 2015م، (الشارقة-الإمارات العربية المتحدة)، ص16و17.
[7]- مذكرة إعلامية بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص في حالات النزاع، صادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، قسم مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين (فيينا-أستراليا)، ص1و2و4.
[8]- تقرير الأمين العام عن تنفيذ تدابير التصدي للاتجار بالأشخاص 10 نونبر 2016م، لدى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، ص3.
[9]- فهم جریمة الاتجار بالبشر دلیل لمنظمات المجتمع المدني: إعداد توبا دوندار والیف أوزر، طبع شركة آشاما المحدودة، نشر المؤسسة الخیریة لتطویر الموارد البشریة (اسطنبول-تركيا)، ص 16.
[10]- التدابير الدولية لمكافحة الاتجار بالنساء في القانون الدولي العام والفقه الإسلامي دراسة مقارنة: محمود السيد حسن داود، دار الكتب المصرية، 2010م، ص20.
[11]- أنظر اتفاقية تحريم الاتجار بالرقيق لعام 1926م.
[12]- لجنة الرق المؤقتة المنعقدة من جانب عصبة الأمم المتحدة في 12 يونيو 1924م للتمهيد لوضع التدابير والقواعد الآليات التي تم على أساسها إبرام اتفاقية الرق لعام 1926م.
[13]- تم الاتفاق وصدور هذه الاتفاقية بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25/02/1946م دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 25/07/1951م، صادق عليها المغرب في 17 غشت 1973م.
[14]- أنظر ديباجة اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لعام 1949م.
[15]- التعاون الدولي لمواجهة الجريمة المنظمة عبر الوطنية: عبد الرحمن خلف، دون طبعة، بحوث الشرطة، الإصدار الثامن، يناير 2006م، ص 138.
[16]- جريمة الاتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي: إعداد مصطفى البطيحي ومحمد حسون وليلى العمراني، إشراف الدكتور الحبيب استاتي زين الدين، بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش شعبة القانون، السنة الجامعية 2018/2019م، المملكة المغربية، ص34و35.
[17]- الاتجار بالبشر (قراءة قانونية اجتماعية): إعداد المحامية رامية محمد شاعر، إشراف الأستاذ المدرب المحامي محمد سمير قباني، تدقيق المحامي سمير فرنان بالي، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى 2012م، (بيروت-لبنان)، ص 133و134.
[18]- الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، مذكرة من الأمين العام إلى أعضاء الجمعية العامة 17 يوليوز 2018م، الأمم المتحدة، الدورة الثالثة والسبعون البند 74 (ب) من القائمة الأولية تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها: مسائل حقوق الإنسان، بما في ذلك النهج البديلة لتحسين التمتع الفعلي بحقوق الإنسان والحريات الأساسية هذه المذكرة أحالت تقرير المقررة الخاصة المعنية بالاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، ماريا غراتسيا جيمارنارو، المقدم عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان 5/35. ص13.
[19]- مكافحة الاتجار بالأشخاص كتيب إرشادي للبرلمانيين، نشر الاتحاد البرلماني والدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ص 14.
[20]- اتفاقية مجلس أوروبا بشأن مكافحة الاتجار بالبشر وارسو بتاريخ16 أيار مايو 2005م، (وثيقة مترجمة إلى اللغة العربية في إطار برنامج تعزيز الإصلاح الديموقراطي في دول جنوب المتوسط؛ الممول من طرف الاتحاد الأوروبي والمنجز من طرف مجلس أوروبا)، مجموعة معاهدات مجلس أوروبا رقم 197، ص3.
[21]- الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، مذكرة من الأمين العام إلى أعضاء الجمعية العامة 17 يوليوز 2018م، الأمم المتحدة، الدورة الثالثة والسبعون البند 74 (ب) من القائمة الأولية تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها: مسائل حقوق الإنسان، بما في ذلك النهج البديلة لتحسين التمتع الفعلي بحقوق الإنسان والحريات الأساسية هذه المذكرة أحالت تقرير المقررة الخاصة المعنية بالاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، ماريا غراتسيا جيمارنارو، المقدم عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان 5/35. ص13.
[22]- الاتجار بالنساء والفتيات: تقرير الأمين العام الأمم المتحدة الجمعية العامة 1 غشت 2014م، الدورة التاسعة والستون، البند 27 من جدول الأعمال المؤقت النهوض بالمرأة، ص13.
[23]- الاتجار بالنساء والفتيات، مشروع قرار الجمعية العامة 9 أكتوبر 2018الدورة الثالثة والتسعون البند 29 من جدول الأعمال، النهوض بالمرأة، ألمانيا والفلبين/ الأمم المتحدة، ص1.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.