•  منذ 5 سنة
  •  0
  •  0

كاتب(ة) : سهير أومري

التطرف والتعطش للانتقام.. طبيعة بشرية أم نتيجة لاستبداد الأنظمة العربية؟

كشفت ثورات الربيع العربي الكثير من أمراضنا وأدوائنا النفسية والاجتماعية، وسلطت الضوء على تقصير نغرق فيه سواء فيما يتعلق بالاعتراف بهذه الأمراض أو العمل على تكوين حصانة تجاهها ناهيك عن إيجاد حلول لها، من ذلك مثلاً، الإلحاد والتطرف، وبعيداً عن موضوع الإلحاد، قريباً من موضوع التطرف الذي أفرز داعش وأخواتها، نجد أنفسنا في واجب ومسؤولية كبرى لمعرفة الأسباب التي جعلت من بيئاتنا العربية تربة صالحة لنشوء التطرف وازدهاره، وذلك بعد تحييد نظرية المؤامرة في اعتبار التطرف وما نتج عنه من إرهاب مؤامرة خطط لها ونفذها أعداؤنا، إذ ما كانت لتنجح خططهم -على فرض صحتها- لولا أننا كنا تربة صالحة لها..


وهنا أستعرض بعض الأسباب التي أدت لما وصلنا إليه فيما يتعلق بالتطرف الديني تحديداً:

  • التطرف اللاديني الذي مارسه الحكام والمستبدون والطغاة بحق شعوب كان -وما زال- الإسلام هويةً لها، فكان حصارهم وتضييقهم على ممارسة الناس للشعائر الدينية بدءاً من الحجاب وانتهاء بالدروس الدينية التي كان من المفروض أن تخضع لرقابة الأنظمة ومتابعتها، ولأن كل ممنوع مرغوب فقد جعلت هذه الممارسات بذرة التطرف تنمو كرد فعل.
  • سيطرة الأنظمة القمعية والمستبدة على المؤسسة الدينية السائدة، وجعلها خاضعة لها تسير في ركابها، وتلوي أعناق النصوص لتطيل أمد عبودية الشعوب جاعلة ذلك كله من صلب العقيدة وأساس الدين، الأمر الذي جعل الشعوب تفقد الثقة في علمائها ودعاتها، وترى ما يدعون إليه ليس وسطية بل خضوعاً للحكام والطغاة، وبالتالي صارت الفرصة مهيئة لظهور أشخاص يدعون العلم ويسيرون بالمسلمين المتطلعين للخلاص إلى التطرف والتشدد والغلو.
  • تعرض فئة الشباب المتطلعين للحرية والديمقراطية والخلاص من قمع الأنظمة واستبدادها، تعرضهم للاعتقال والتعذيب والتنكيل والقتل الأمر الذي جعل فكرة المجابهة المسلحة لهذا الأنظمة انتقاماً منها بالدرجة الأولى مطلباً لهؤلاء الشباب، مع الانضواء تحت راية جهادية كون فكرة الجهاد تضمن لمن يقتل في سبيلها الجنة.
  • إمعان الأنظمة المستبدة في إفقار شعوبها، ونهب خيراتهم، وأكل أرزاقهم، وشغلهم بلقمة عيشهم لصدهم عن أمور الحكم والتطلع للحرية والعدالة والكرامة الأمر الذي جعل هذه الشعوب تربة صالحة للجهل والتخلف ومن المعلوم أن الجهل لا يحل في مكان إلا صار صالحاً للغزو الثقافي والاجتماعي وانتشار الأوبئة الفكرية بكل أنواعها.
  • الممارسات التغريبية التي تقوم بها المجتمعات القوية من خلال السيطرة الفكرية والثقافية والإعلامية والاقتصادية بحق شعوبنا والتي تهدف إلى الإمعان في إضعافنا ومحو هويتنا جعلنا تابعين أمناء لهم الأمر الذي جعل البيئة لدينا صالحة لنمو التطرف المقابل حفاظاً على الهوية وتمسكاً بها.
  • عدم اندماج الجيل الثالث من أبناء العرب المهاجرين إلى الدول الغربية مع سكان البلاد، وتعرضهم للإقصاء والتهميش الأمر الذي جعلهم يجدون في الانتماء الديني المتشدد محاولة لإثبات الهوية المناقضة للبيئة السائدة، وتعبيراً عن أنفسهم على نحو ينأى بهم عن واقع -فاسد- بنظرهم ويرفعهم فوق هذا الواقع.

لذلك فإن كان لتآمر أعدائنا دور في خلق الإرهاب والتطرف، فذلك من خلال إيجاد الأنظمة التي تحكمنا، والتي تدفع بشعوبنا نحو التطرف دفعاً بممارساتها القمعية وإبعادنا عن العلم والوسطية، في الوقت الذي جعلنا الله سبحانه أمة وسطاً، وأمرنا وقال عليه الصلاة والسلام: "إيّاكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين" رواه مسلم.


ولا ننسى أن بذار التطرف التي تنمو مع الأيام تفرز أشكالاً مختلفة من التردد والتخبط والضياع، وخصوصاً عندما يصير الدين مجرد أحكام وشكليات يجب فعلها دون أي وعي بأهميتها أو ثمارها أو أثرها أو الحكمة من تشريعها، وعندها يكون أصحابها نواة للإرهاب همهم أن يموتوا فيما يعتقدون أنه في سبيل الله بدل أن يعمروا الأرض التي خلقنا سبحانه واستعمرنا فيها لنحيا في سبيله ونكون نواة لحياة تزهر لا قتل يدمر.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.