كاتب(ة) : بوروبة لينة
إليك صديقتي
يعيش العالم في دوامة خيبات أمل و خيانة مستمرة و متكررة، تجعل حياة الشخص مهما بلغ سنه و منصبه و ثروته و سلطته يتخبط في ظلمات التفكير العدواني و السلبي، مما يجعل الشخص ذاته يتحول من متفائل إلى متشائم، ومن سعيد بالحياة إلى متمن الزوال، و من محب متسامح إلى كاره حاقد، وذلك بسبب سوء اختيار أو عدم التعرف على الوجه الحقيقي للصديق أو الحبيب أو حتى فرد من العائلة، مما يجعل الخيانة تحدث من أقرب الناس وأنت آمن مطمئن ودون دراية.
ينتابني الضحك من هذه المقدمة التي وضعتها كأني أعيش الشعور حقا... أيُّ شعور؟! الخذلان؟ الخيانة؟ خيبة الأمل من طرف صديق؟ لا.. لا يحدث معي كل هذا، بل أسمعه يومياً من أناس قريبين أو غرباء يشتكون نفس المصير من أصدقاء المصلحة كما يطلقون عليهم، أقرأ كل يوم آلاف المنشورات حول غدر الاصدقاء، أشاهد مئات الفيديوهات التي تحذر من الثقة العمياء في الاصدقاء، أرى حولي عشرات الأشخاص يتحدثون بالسوء عن آخرين كانوا البارحة إخوة مواقف، أمر عجيب أليس كذلك؟!
رغم حبي لأن أكون مختلفة في مواضيع عدة، إلا أنني لم أحسب يوماً أن يكون اختلافي ضمن موضوع كهذا، أتستغربون! لا داعي، سأخبركم لماذا، على عكس ما يقال و ما يتماشى في زماننا هذا مع كلمة صديق، أعتبر نفسي محظوظة كوني عِشتُ و لا زلت أعيش، و أتمنى أن أستمر في عيش الصداقة الحقيقية، نعم.. أتحدث عن رفيقة دربي و أختي التي لم تلدها امي، بل ولدتها لي الأيام والمواقف، أتحدث عن توأمي المختلف، أظن أن الاختلاف هو ما يجعل علاقة ما تستمر، هذا ما يحدث معنا، لكن.. نتشابه في بعض الأشياء، كالتحدث كثيراً و الضحك دون سبب، و اكمال جمل بعضنا أثناء الكلام، و حتى التفاهم بلغة العيون، و أكثر ما نتشابه فيه حبنا للأكل، لقد خسرنا ثروة يا صديقتي من وراء هوسنا بتجربة مطعم جديد، و طبق لم نتذوقه من قبل.
نختلف في تعبيرنا عن القلق، أتدرين يا اختي أن قلقك لا يُشعر به إن لم تتكلمي عنه و تُفصحي؟ أحب فيك إعجابك بالاشياء البسيطة، أحب كونك لا تنتظرين مقابل من صداقتنا، فمهما ابتعدنا و لم نتحدث لظروف معينة و لمدة أيام، أعود لأجدك نفس الشخص، و كأني كنت أحادثك قبلها بدقائق، أحب أن أكون الشخص الذي تشعرين معه بالأمان، حتى أنك تظهري الضعف أمامي إن حدث معك شيء ما، رغم أني لا أحب رؤيتك تبكين أو تعيسة لأي سبب كان، أحب كذلك قلة انتباهك أثناء تحدثك عن شيء سري بصوت عال، لا تستطيعين التحدث بصوت خافت حتى لو أردتي ذلك، أكثر شيء مثير للإعجاب فيك.. أنك لا تحقدين مهما حدث، و لا تتحدثين بالسوء عن أحد بل تلومين نفسك و تعتبرين الخطأ منك في كثير من الأحيان، لديك براءة الأطفال، و تسامحٌ كاسمك، لقد تذكرت.. على سيرة الأطفال، نتشابه في هذه النقطة، تحب كلتانا الأطفال لدرجة تجعلنا نتحدث و نقوم بحركات مثلهم، أوليس هذا السبب المباشر لاختيارنا نفس التخصص؟ و لقائنا في مقاعد الدراسة؟ أتدرين؟ أريد أن أعترف لك بشيء، أكره كل ما يوجد في الجامعة، أكره الدراسة هناك حقا، لكن وجودك يشجعني على القدوم، ألم تكوني تعرفين هذا؟! ها قد أخبرتك، لكن..لا تستعملي هذه المعلومة ضدي كما سبق و فعلتي، هل تعلمين أنك صندوقي الأسود و حافظة اسراري؟ تكونين في كفة أمي عندما تعلمين أن وراء ضحكتي ألم و لا تضحكين، بل تسأليني مباشرة، ماذا يحدث معي؟ تكونين في كفة أخي عندما تدافعين عني في غيابي أمام من يتحدث عني بالسوء، لا تكونين في كفة أختي لأنك حقاً أختي.
مهما تحدثت عنك و عن صداقتك، لن تفي هذه السطور ذي الحق حقه، أحبك بضعف عدد الحروف التي كتبتها، وأتمنى أن أكون أنصفتك و لو بالقليل، أدعو الله أن يبارك في صداقتنا، و أن لا يريني فيك شراً أخشاه، دمت رفيقة و سنداً لي.