بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 6 سنة
  •  3
  •  0

كاتب(ة) : شريف نجاح

هاروت وماروت

قال الله تعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102) }

خلاصة دراستي للآية وترجيحي لمعانيها:
- تتلوا الشياطين: أي تدعي كذبًا، وذلك أن سليمان عليه السلام لما مات عمدت الشياطين إلى كتب فصنعوها وختموها بختم يشبه ختمه عليه السلام، ودفنوها تحت كرسيه، وقالوا للناس هل تريدون أن نعلمكم كيف كان سليمان يحكم؟ ثم أخرجوا الكتب وزعموا أنه كان يحكم بها.
- وما كفر سليمان: رد على من صدق ذلك من اليهود، وقد تعجبوا من نبينا حين أخبرهم بنبوة سليمان.
- وما أنزل على الملكين: لم ينزل على الملكين سحر كما ورد عن ابن عباس، والدليل عطف ما أنزل على السحر فمعناه المغايرة، وأيضا كونهما ملكين وكون ربنا لا ينزل سحرا، ولكن ربما كانت لديهم علوم روحانية تؤثر في الموجودات وأخبار هذه الروحانيات، وتأثيراتها العجيبة مذكورة في تاريخ ملوك ما قبل الطوفان كثيرًا، والحفريات تثبت تقدمًا لم نصل له نحن الآن، وبناء مدن لا يتأتى بناؤها واتساقها إلا لمن صعد الفضاء كما في آثار الجزائر العربية، والذي أميل له أن الملكين نزلا كمقابل لذيوع علوم الجن الكونية التي كانوا ينصرون بها الجبابرة من البشر، ويبنون لهم بها اللآلات العجيبة والحصون والتقنيات المذهلة فيما يشبه الكمبيوتر لكنه أكثر تطورًا، ونحن ما زلنا في محاولة الكتابة باستخدام المايك. ما ذكره المسعودي، أخبار الزمان (ص: 129)


قونية الكاهنة، وفي مصاحف القبط أنها كانت تجلس على عرش من نار، فإذا ما احتكم إليها الرجل، وكان صادقًا شق على النار حتى وصل إليها ولم تضره، وكانت تتصور عليهم في أشكال كثيرة من الصور إذا شاءت، ثم بنت لنفسها قصرًا واحتجبت فيه عن الناس، وجعلت جدرانه من نحاس مجوفة، وكتبت على كل أنبوب فيها من الفنون التي يتحاكم إليها فيه، فكان الذي يتحاكم إليها يأتي إلى الانبوب الذي كتب عليه ذلك الفن، فيتكلم بما يريده، ويسأل ذلك ما قصد له بصوت خافض غير عال، فإذا فرغ من كلامه جعل هو أذنه على ذلك الانبوب، فيأتيه الجواب منه بكل ما يريده، فلم يزالوا مستعملين ذلك، إلى أن خرب بخت نصر البلد.


ويقول أيضا: وكان عرباق بن عيقام الملك قد تكهن بعد أبيه وعمل عجائب كثيرة، منها شجرة من صفر لها أغصان حديد بخطاطيف حادة، إذا تقرب الظالم إلى الملك تقدمت إليه تلك الخطاطيف، وتعلقت به وشبكت يديه، ولم تفارقه حتى يحدث عن نفسه بالصدق، ويعترف بظلمه، ويخرج من ظلمة خصمه، وكان ربما حملته أطيار عظام، وهو في مرتبته فيمر بهم وهم يرونه في الهواء فيزدادوا له عبادة وهيبة، وربما علا على ناس منهم فملأ ماءهم من الاقذار (كأنها الطائرات)، وسلط عليهم وحوش الارض وسباعها وهوامها.


ويقول: البودشير بن قفطويم بن ينصو بن حام وكان ملكًا بعد أبيه، وذكره جميع الكهنة في مصاحفهم، فانه كان من أجلّ كهانهم، وممن عمل النواميس العظام، وأقام أصنام الكواكب وبنى هياكلها، وتزعم القبط أن الكواكب خاطبته وأنه عمل عجائب كثيرة، منها أنه استتر عن الناس بعد سنين من ملكه، وكان يظهر لهم وقتًا بعد وقت مرة في كل سنة، وهو وقت نزول الشمس في برج الحمل، ويدخل الناس إليه فيخاطبهم ويرونه، ويأمرهم بما يعملونه وينهاهم ويحذرهم مخالفة أمره، وكانيجلس لهم في بعض أوقات السنة فيخاطبهم عند دخولهم عليه، وينهاهم وهم لا يرونه، والمكان الذي يكلمهم منه غير خفي عنهم، ولا يعد منهم، ثم بنيت له قبة من فضة مموهة بالذهب وزخرف ما حولها، وكان يجلس لهم في أعلى القبة في صورة الوجه العظيم، فيخاطبهم، بمثل ما كان يخاطبهم، وكان يجلس لهم في أعلى السحاب بوجه في صورة إنسان عظيم، فأقام كذلك مدة ثم غاب عنهم فلم يروه، إلى غير ذلك مما يناسب معناه الحديث القدسي {إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم}، وكذلك قول الله تعالى {كان الناس أمة واحدة} أي على الضلال، وهذا فيه توجيه لحكمة اغراق الطوفان لكل من في الأرض مع أن نوحًا عليه السلام إنما أرسل لقومه.
والمقابلة بين عمل الشياطين وعمل الملائكة ثابتة في السنة، فكما أن الشمس تشرق بين قرني شيطان كل صباح، فقد تخصص لكل صباح كذلك ملكان، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان، يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمس قط إلا بعث بجنبيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين اللهم أعطي منفقًا خلفًا واعط ممسكًا تلفًا".


وكما يبعث إبليس سراياه يفتنون الناس، فإن الملائكة يتعاقبون في الناس بالليل والنهار،
ويذكر المسعودي:{وأما بديرة الكاهنة، فانها امرأة من أهل بيت الملك، يقال إنها أخت البودشير، وأنه ألقى إليها الكهانة فهي التي عملت أكثر الطلسمات والبرابي، وهي التي عملت القبطية الناطقة بمنف، وكانت الكهانة في أهلها وولدها يأخذونها كابرًا عن كابر، وهي التي حكى المصريون عنها أنها عملت طلسمات منعت الوحوش والطيور أن تشرب من النيل، فمات أكثرها عطشًا، وأن الله تعالى أرسل إليها ملكًا، فصاح بها صيحة ارتجت لها الارض وتشققت جبالها فماتت من تلك الصيحة، ويقال أنها كانت تطير في الهواء والملائكة تضربها بأجنحتها إلى أن سقطت في البحر.


واستمرارًا في ذكر العجائب، يقال عن أحد الملوك:
واتخذ في سفح الجبل مدينة يقال لها طهراطيس، وجعل فيها من العجائب شيئًا كثيرًا، وجعل لها أربعة أبواب من كل جهة باب واحد، وجعل على الباب الشرقي صورة عقاب، وعلى الباب الغربي صورة نسر، وعلى الباب الجنوبي صورة أسد، وعلى الباب الشمالي صورة كلب، وملك فيها الروحانيات، وكانت تنطق إذا قصد إليها القاصد، ولا يصل أحد إلى الدخول فيها دون استئذان الموكلين بها، وغرس فيها شجرة تحمل كل صنف من الفواكه، وبنى منارة طولها ثمانون ذراعًا وعلى رأسها قبة تتلون في كل يوم لونًا، حتى تنقضي سبعة أيام بسبعة ألوان، ثم تعود إلى اللون الأول وتكسي المدينة ذلك اللون، وجعل حول ذلك موضع ماء فيه سمك كثير، وجعل حول المدينة طلسمات من كل صنف تدفع عن أهلها المضار.


لماذا بابل؟
وجود الملكين ببابل؛ لأن بابل هي المكان الذي اجتمع اليه الناس بعد الطوفان؛ ليبدأوا حياة جديدة، ونزول الملكين لتعليم الناس ما يواجهون به الشياطين وأعوانهم من جبابرة الانس،
سنلاحظ قول الله تعالى{فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} فلم تقل الآية فيتعلمون منهما التفريق بين المرء وزوجه، بل يتعلمون الامكانية كما يتعلم الأطباء الجراثيم للشفاء، فيستخدمها البعض للحرب والضرر، وكما تعلم البشر التخمير فصنعوا الخل والخميرة والزبادي وصنعوا أيضًا الخمر، فالملكان يعلمان الناس ويقولان لمن يتعلم ستمتلك ما يفتنك إن فسدت، ويؤدي بك إلى الكفر كما كفر الملوك والكهان قبل الطوفان، والدليل الباء في "به" أي هي أداة ووسيلة، والدليل{ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} أي أن هناك امكانية للنفع في علوم الملكين، ولكن الشياطين واتباعهم اقتصروا على ناحية الضرر كما يوجد عندنا اليوم في علوم الذرة.
ويذكر المسعودي ما يوحي بأن الملكين علما بعض الملوك من الصالحين فيقول عن ملك يسمى عديم:{وكان في وقته الملكان اللذان أهبطا من السماء، ويقال إن عديما استكثر من علمهما، ثم انتقلا إلى بابل}، ثم يقول عن صفات هذا الملك:{وعديم الملك أول من صلب، وذلك أن امرأة زنت برجل من أهل الصناعات وكان لها زوج فأمر بصلبهما، على منابر وجعل ظهر كل واحد منهما إلى ظهر صاحبه، وزبر على المنابر اسميهما وما فعلاه، وتاريخ الوقت الذي عمل ذلك فيه، فانتهى الناس عن الزنا}
وعندنا قول الله تعالى{قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.