كاتب(ة) : Mohamed Nasrat
انتبه أيها العالم هنا!
«ما غاية كل كدح وسعي في هذا العالم؟ ما هدف الجشع والطموح، وطلب الثروة والشلطة والتفوق؟ أهو توفير ضرورات الطبيعة؟ إن أجر أهون عامل يدوي يمكنه أن يفي بهذا الغرض! ماذا قد تكون إذن مزايا ذلك المقصد العظيم للحياة الإنسانية والذي نسميه تحسين ظروفنا؟" آدم سميث ( نظرية المشاعر الأخلاقية )
إن كان ولابد أن تكون حبة وسط الرمال فكن لامعاّ.. إنه لعذاب قاسي ألا تضيف شيئاً للعالم إلا أنك دخلته ثم خرجت منه ، وهو كما هو يولد الإنسان ويعيش بحثاً عن المكانة، ينظر لعيون الآخرين ليعرف مقدار قيمته ، هل هو كبير أم صغير ؟ قوي أم ضعيف ؟ ولا يستطيع أبداً أن يعرف مكانته إلا عن طريقهم.
"يعد اهتمام الآخرين مهماً لنا لأننا بحكم طبيعتنا مبتلون بانعدام يقين نحو قيمتنا الخاصة ، ونتيجة لهذه البلوى فاننا ندع تقييمات الآخر لنا تلعب دوراً حاسماً في الطريقة التي نري بها انفسنا " آلان دو بوتون
إذا أضحكتهم نكاتنا زادت ثقتنا في قدرتنا على الإضحاك ، وإذا امتدحونا تولد فينا انطباع بكفاءتنا العالية ، وإذا ما تحاشوا تلاقي نظراتنا عند دخولنا غرفة ،أو بدا عليهم الضجر عندما نصّرح بطبيعة مِهننا ، فربما نسقط في فخ مشاعر فقدان الثقة في النفس وانعدام القيمة.
في عالم مثالي سنكون أشد مناعة إزاء تلك المؤثرات الخارجية، لن نهتز سواء تلقينا التجاهل أو الانتباه، الإعجاب أو التسفيه.. إذا امتدحنا شخص وهو غير صادق، فلن نُسلم أنفسنا للغواية دونما استحقاق.. وإذا أجرينا تقييما نزيهاً لمُوَاطن قوتنا وحكمنا بأنفسنا على قيمتنا الخاصة، فلن يجرحنا افتراضُ الآخرين بأننا بلا شأن.. سنكون على ثقة من شأننا وجدارتنا.. بدلا من ذلك، نبدو وكأننا نحتفظ في داخلنا بمجموعة من الرؤى المتعارضة كما لو أنها خصائص أصلية ولدنا بها.. نرصدُ بدقة العلامات الدالة على كل من البراعة والغباء، الطرافة والبلادة، الأهمية والتفاهة.
وفي قلب هذه الحالة من فقدان اليقين غالبا ما نتّجه نحو العالم الأوسع من أجل حسم مسألة قيمتنا، ومن شأن الإهمال أن يُعرّز تقييمنا السلبي لأنفسنا الكامن فينا، في حين أن ابتسامة أو مجاملة تنشط داخلنا التقييم المقابل بالسرعة ذاتها، نبدو مَدِينين لعواطف الآخرين التي لولاها لعجزنا عن تحمُل أنفسنا.
يُمكن أن نتصور «الأنا» أو فكرتنا عن أنفسنا مثل بالون يُسرّب، فهو دائما وأبدا بحاجة لضخ هيليوم المحبة الخارجية ليبقى مُنتفخاً، وهو دائما وأبدا فريسة سهلة لأصغر ثقوب الإهمال. إنه حد منطقي وعبثي في ذلك الذي قد يصل إليه ارتفاع معنوياتنا أو انخفاضها بناء على اهتمام الآخرين بنا أو إهمالهم لنا.
قد يسود مزاجنا لأن زميلاً لنا حيّانا وهو شارد الذهن، أو لأن الطرف الآخر لم يرد على اتصالاتنا الهاتفية به. كما أن لدينا القدرة على الاعتقاد بأن الحياة تستحق أن تُعاش لأن شخصا ما تذكّر اسمنا أو أهدانا سلة مليئة بالفاكهة.
لا يكترث أحد كثيراً بما نفعل حتى نبلغ سناً محددة، وقبلها يكون وجودنا بمفرده كافيًا لنحصل على حنانِ دون قيدٍ أو شرط. يُمكننا أن نلفظ طعامنا من أفواهنا، وأن نصرخ بأعلى صوتنا، وأن نرمي أدوات الأكل على الأرض، وأن نقضي يومنا محدّقين من النافذة ببلادة، وأن
تفرغ أمعاءنا في إصيص الزهور - ونظل متأكدين مع ذلك أن شخصاً ما سيأتي ويمسٌد شعرنا، ويغيّر ثيابنا ويغني لنا. نبدأ مسيرتنا على الأرض بين أيدي أمٍ لا تطالبنا بأكثر من أن نبقى أحياء.
سريعاً ما تمضي الحياة لنجد أنفسنا أمام عالم قاسٍ متغطرس ، لا يقدم لنا الحب إلا بمقدار ما نفعل ومقدار ما نملك.. هناك اقتباس به الكثير من القسوة والسخرية من كتاب قلق السعي إلى المكانة عن حوار بين أمٍ وابنتها.
«ماما! ها هم آل سبياسر ويلكوكس. سمعتُ أنهم يتحرقون لمخالطتنا. أليس من الأفضل أن نبادرهم بالحديث؟» «بالطبع لا، يا عزيزتي. إذا كانوا يتحرقون لمخالطتنا فهم لا يستحقون ذلك. إن الأشخاص الذي يستحقون مخالطتنا هم مَن يُعرضون عنا!».
باستثناء الذين يتمتعون بالمكانة بمجرد مولدهم ، الأمراء وغيرهم أصحاب المكانة بالميلاد ؛فالعالم عبارة عن سلم متدرج وأنت لابد موجود على درجة منه ، وتستمر الحركة بين الناس على هذا السلم صعوداً وهبوطاً ، وتتحدد هذه الدرجة بما تفعل وما تملك.