كاتب(ة) : يوسف المستوري
كريسماس دون هدايا
قبل عشرين عاما ..
كنت فتى صغيرا حينها , تعجبني المفرقعات , و تثيرني أغاني الكريسماس .
لم أكن أعلم ما معنى كل ذلك , لكنني كنت أستمتع حقا .
حسنا , لقد كانت الحلوى التي تعدها أمي أفضل من كل ذلك .
لم نرى مفرقعات سوى في التلفاز ,
و لم نرى بابا نويل أيضا ,
ربما مازال الأطفال ينتظرونه عله يأتي حاملا الهدايا و الحلويات .
أشاهد تلك العروض المميزة التي تقام في جميع أنحاء العالم ..
كان الأمر مدهشا ..
ظننت حينها أن العالم ملىء بالسرور..
مواطننا تعيش رفاهية مطلقة و لا نشكو من شيء ..
كنت حينها صغيرا , بعقل طفل لا غير..
لم أكن أدري ما يحدث حقا ..
مرت السنوات بسرعة ..
ما زالت العروض تقام , بل و أصبحت متميزة ..
كل دولة تحاول التفوق على الأخرى في عروض رأس السنة .
لكنني لم أعد أنتظر سانتا و لا بابا نويل ..
لأنني أعلم أنه لن يأتي , و أن الامر مجرد خرافات لا غير .
في كل عام يحل علينا شهر ديسمبر و يناير ببرودتهما المتعادة و صقيعهما القاتل.
أرى مواقع التواصل الاجتماعي كادت تنفجر من منشورات المنع و التحريم .
" نحن مسلمين لا نحتفل بعيد الكفار "
" الإسلام حرم الإحتفال بعيد الكريسماس "
منذ سنوات و نفس المنشورات يعاد نشرها و يكرر قولها .
لكن ما الذي حدث , مازال مسلمينا يتفوقون على النصارى في الإحتفالات ..
حتى صرنا لا نعلم أي عيد نعيشه ..
عيد المسلمين أم الكفار ؟!!
للإشارة هذا المقال ليس لأدعوك للإحتفال أو للإمتناع عنه , فلك عقل تميز به .
حسنا فلندع هذا جانبا ..
فالأمر أعظم من كون الكريسماس محرما من عدمه ..
رغم أننا جميعا نعلم أن هذا العيد لا قيمة له البتة ..
و هل الكريسماس هو الشيء الوحيد الذي نقضناه !
لقد نقضنا العهد منذ زمن , لكن فلنذكر فالذكرى تنفع المؤمنين .
بعيدا عن أجواء الإحتفالات و السرور المزيف ,
رأيت أطفالا يقتلون في سوريا ..
و آخرين في غزة ..
و شيوخا من الإيغور تقتلهم الصين بلا رحمة و لا شفقة ..
رأيت أطفالا في شوارع المسلمين ; أطفالا بلا مأوى ,
دون أب يسندون عليه أوجاعهم ولا أم تحتضن آلامهم ..
أطفالا صغار ..
ما ذنبهم وسط كل هذه المستنقعات ..
طفل في السابعة من عمره , حافي القدمين , أجعد الرأس .
طفلة في مقتبل العمر , تتسول في أرجاء الشوارع ,
أحيانا تبيع حلويات و أحيانا اٌقلاما.
شيخ في الستين من عمره , مستلق على جانب الرصيف .
هل علمت حلمهم يوما ؟
ليس مفرقعات نهاية السنة فالأيام عندهم سواء ..
ربما لباس يقيه شر الصقيع ..
ربما محفظة أدوات و مدرسة ..
ربما حضن , ربما ابتسامة .
ربما أن يزروهم بابا نول المزعوم بهداياه ,
ربما يحمل لهم الأمان , و هو الأمر الذي لن يحدث أبدا .
ربما تتساءل الآن , لماذا أخبرك بكل هذا ..
و ما الذي تستطيع القيام به .
حسنا , دعني أحكي لك حكاية ;
يحكى أن رجلا مغفلا خرج من منزله صباحا ,
حاملا إبنه على عاتقه .
بعد فترة , نسي المغفل ابنه ثم بدأ يسأل المارة :
" أرأيت صبيا عليه قميص أحمر "
أجابه أحدهم : " لعله الصبي الذي تحمله على كتفيك " .
رفع رأسه ثم نظر للصبي قائلا : " ألم أقل لك ألا تفارقني أبدا " .
----
هكذا نحن .. مازلنا تائهين نبحث عن عقولنا ;
نبحث عن السعادة ,
نبحث عن العظمة ,
و نحن نحملها على عاتقنا,
نحمل إسم المسلمين فقط,
و نسينا عظمة الإسلام ,
نحمل لقب الإسلام ,
و نسينا كل شيئ عنه .
نسينا كيف نميز الأبيض و الأسود ,
دون الإستعانة بأحد.
بل و صرنا نبحث عن أنفسنا في ثقافة الآخرين.
قرأت يوما قصيدة لنزار قباني , علمت فيما بعد أنه قد تم منع نشرها في بعض الدول العربية.
طبعا و نحن نتشبه بالنصارى في كل شيء سوى بعض ما نكره .
يقول نزار في قصيدته ..
"" خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليّهْ... ""
--
تماما هو كذلك ;
لقد لبسنا قشرة الحضارة فقط ,
لكن أرواحنا جاهلية ,
عقولنا جاهلية ,
قلوبنا قاسية ,
أخدنا من الحضارة قشرتها دون لبها ,
نأخد من ثقافتهم ما يريدون و نحب,
--
لكننا ما زلنا ننقسم لفريقين منذ زمن ;
فريق يريد الإحتفال و آحر يحرمه .
ما زلنا غارقين في دوامة المناقشات ;
مناقشات مكررة ..
ألم يحن الوقت بعد لننظر السبب الرئيسي ,
أصل المسألة ما هو ?!
الأصل في فكرنا ..
فأرواحنا تشكو الإفلاس ..
و كما يقول نزار مجددا :
"" يا أصدقائي:
جرّبوا أن تكسروا الأبوابْ
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثوابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ..
""
فلنناقش كيف نعيد المجد لنا ..
كيف نصقل مواهبنا الشابة ..
كيف نزرع بذور الأمل و الإبداع في جيل قادم ..
كيف ننبت الورد على حافة مستنقعاتنا ..
كيف نصبح إنسانا .