كاتب(ة) : شريف نجاح
معنى صلاة على عباده
هذان هما الموضعان اللذان ورد فيهما ذكر صلاة الله على عباده
أذكرهما وأحللهما من زاوية مسألة الصلاة على عباده وأذكر التشابه بينهما والتعاضد إذ كتاب الله مثان يوضح بعضها بعضا وذلك هو الحسن المذكور في قوله تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني )
الموضع الأول
﴿ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدونكما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونفاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرونيا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرينولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرونولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرينالذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعونأولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدونإن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليمإن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنونإلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيمإن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعينخالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرونوإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم﴾
[البقرة: 150-163]
—
الموضع الثاني
﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليمايا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيراوسبحوه بكرة وأصيلاهو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماتحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريمايا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيراوداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيراوبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا﴾
[الأحزاب: 40-47]
ونبدأ بمسألة إتحاد الموضعين بالأمر بذكر الله تعالى في الآية 152 من سورة البقرة والآية 41 من سورة الأحزاب ونلاحظ أن كلا الآيتين جاءتا عقب ذكر إرسال الرسول وهو في سورة البقرة إرساله مذكور كنوع من الإنعام والهداية بدليل كاف التشبيه في قوله (كما أرسلنا) ثم افتتحت آية البقرة بالفاء فقال (فاذكروني) قال الكرماني ( والمعنى: ذكرا يوازي إنعامنا عليكم لإرسالنا رسولا بالصفة المذكورة في الآية.)
وقال الألوسي ( اذكروني ذكرا مثل ذكري لكم بالإرسال، أو اذكروني بدل إرسالنا فيكم رسولا )
أي مقابل إرسالنا هذا الرسول اذكروني ولكم منا مقابل هو (أذكركم) وهذا الذكر هو نوع من الشكر على إرسالنا ذلك الرسول لكم لقوله بعدها (واشكروا لي ولا تكفرون) ثم لا يخفى أن العبرة بعموم اللفظ فذكر الله مستحق دائما وكذلك شكره
فكان موضع البقرة توضيح لموضع الأحزاب
..
والإنعام في موضع سورة الأحزاب بالإضافة لنعمة الرسول هو تصدير رسول في الزواج من طليقة متبناه زيد كنوع من رفع الحرج عن المؤمنين (زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) وبناء عليه (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) وكما ذكرت الصلاة تصريحا في موضع سورة البقرة بعد الأمر بالذكر (استعينوا بالصبر والصلاة) ذكرت تضمينا في موضع سورة الأحزاب (وسبحوه بكرة وأصيلا) وعلل ذلك الأمر بتعليل آخر وهو قوله تعالى (هو الذي يصلي عليكم)
وبهذا يتضح أن صلاة الله علينا هي من جنس ذكره لنا وإرساله الرسول إلينا
فتكون عناصر الرحمات الملازمة للرسول هي عناصر الصلاة علينا
ويأتي التطابق بين الرسول والذكر في قوله تعالى (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا)
وعناصر هذه الرحمات
هي الهداية والتعليم والتبشير والتطهير والرحمة
ثم ينضاف لمعنى صلاة الله علينا ذكره لنا وهذا بديهي لأنه إذا صلى علينا فقد ذكرنا
والرفعة لنا لأن النور رفعة ولأن الله جعل السعي بين الصفا والمروة كنوع من الصلوات على السيدة هاجر الصابرة وهذه رفعة ناهيك عن أن حفيدها هو محمد صلى الله عليه وسلم . كما قال تعالى عقب ذكره الصلاة علينا (وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما) فذكر الكرم
وذكر السلام معناه أن الصلاة من الله علينا سلامة لنا وهو مع علو المقام مفهوم من سياق ذكر الله لصلاته على نبيه في سورة الأحزاب حيث سبقت بالنهي عن إيذائه وعقبت بالترهيب من إيذائه وسبقت بتأديب الصحابة حال رغبتهم أن يأكلوا عند رسول الله أن يمتنعوا عما فيه إيذاءه . وحفظ المقام جاء في النهي عن زواج أحد بزوجة من زوجاته
وصلاة الله علينا تهيئة للأجر الكبير للنص على ذلك في موضع الأحزاب (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) وأيضا لقصة هاجر عليها السلام إذ الغالب أن سعي الناس بين الصفا والمروة في ميزان حسناتها دون أن ينقص من أجورهم شيئا ( وبشر الصابرينالذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعونأولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدونإن الصفا والمروة من شعائر الله ) وهذا تطبيق مشاهد لكون الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب
…
وباقي آيات موضع سورة البقرة تحدثت عن اللعن لمن يكتم البينات وما في الكتاب
واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى وعلة ذلك أن كتاب الله رحمة كما وصف القرآن بذلك والتوراة في غير موضع فكان الجزاء من جنس العمل فمن كتم الرحمة عن الناس كتمت عنه الرحمة وبهذا يتضح أن هؤلاء جاؤوا كمقابل للصابرين وفي ذلك سر للمتأمل
بقي أن نقول أن الصبر أساسه انتظار رحمة الله والثقة بها
كما قال تعالى (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا) وفي قصة إبراهيم
﴿قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليمقال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرونقالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطينقال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون﴾
[الحجر: 53-56]
وقال تعالى مذكرا للعابدين
﴿وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمينفاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين﴾
[الأنبياء: 83-84]
والله أعلم
قال الحرالي ( قال: {عليهم صلوات} صلاة الله على عباده هي إقباله عليهم بعطفه؛ إخراجا لهم من حال ظلمة إلى رفعة نور، قال: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} فبصلاتهم عليهم إخراجهم من جهات ما أوقعهم في وجوه تلك الابتلاءات، فلذلك كان ذلك صلوات بالجمع، ولم يكن صلاة، ليعدد ما أصابهم منه عدد تلك الابتلاءات.
وفي قوله تعالى: {من ربهم} إشعار بتدريجهم في ذلك بحكم تربية وتدارك الأحوال ما أصابهم، قال تعالى: {ورحمة} إفرادا لمنالها لهم بعد متقدم الصلوات عليهم، فنالتهم الرحمة جمعا، حين أخرجتهم الصلوات أفرادا.
قال تعالى: {وأولئك} إشارة إلى الذين نالتهم الصلوات والرحمة، فأبقاهم مع ذلك في محل بعد في الحضرة، وغيبة في الخطاب، {هم المهتدون} فجاء بلفظ “هم ” إشعار بصلاح بواطنهم عما جره الابتلاء من أنفسهم) – انتهى.




